مـشـهـد مــُـتـخـيـّـل أوّل :
بـعـد خـمـسـمـائـة عـام مـن الاّن , يـجـلـس الـمـفـتـي الـعـام
لـلـمـسـلـمـيـن و بـجـانـبـه بـابـا الـفـاتـيـكـان و الـراهـب
الـبـوذي الأكـبـر , و سـيـوقــّـع الـثـلاثـة و يـبـصـمـون
عـلـى أن الـمـحـرقـة الـيـهـوديــّـة عـلـى أيـدي الـنـازيـيـن
قـد حـصـلـت , و سـيـتـبـرّع كـلّ مـنـهـم بـمـا تـجـود بـه
نـفـسـه و سـمـاحـتـه , بـزيـادة عـدد الـضـحـايـا , كـلّ كـمـا
يـراه مـنـاسـبـاً , فالـمـفـتـي سـيـقـول أنــّـه قـرأ حـديـثـاً حكومياً
عـربـيـاً ثـبـتـت صـحـتــّه بـالإجـمـاع , أن الضحايا كـانـوا سـتـة
مـلايـيـن و نـصـف , بـيـنـمـا سـيـقـرّ الـبـابـا بـأنّ الـفـاتـيـكـان
عـثـر عـلـى وثـيـقـة قـديـمـة فـي إحـدى الأقـبـيـة , تـفـيـد أنّ
الـعـدد تـجـاوز الـسـبـعـة مـلايـيـن , والـراهـب الـبـوذي سـيـطـلـب
مـن الـيـهـودي الـجـالـس عـلـى كـرسـيّ الـقـاضـي أن يـضـع
الـعـدد الـذي يـراه مـنـاسـبـاً , و هـو سـيـوقــّـع عـلـيـه .
و سـيـقــدّم الـثـلاثـة اعـتـذاراتـهـم بـاسـمـهـم وبـاسـم مـن يـمـثــّلون
وسـيـوّقـعـون عـلـى وثـيـقـة تـفـيـد بـضـرورة أن تـدفـع الـبـشـريــّة
جـمـعـاء ثـمـن تـلـك الـمـحـرقـة , حـتـى نـهـايـة الـزمـان .
تـنـويـه : الـرئـيـس الـخـالـد حـسـنـي مـبـارك سـيـكـون حـاضـراً
هـذه الـجـلـسـة بـصـفـتــّـه شـاهـداً عـلـى كـلّ الـعـصـور و الأزمـان
و سـيـدعـو الـجـمـيـع إلـى عـشـاء عـلـى سـفـح الـهـرم الـجـديـد
الـذي بـنـاه الـشـعـب الـمـصـري عـلـى مـدى مـائـتـي عـام بـاسـم
الـرئـيـس الـخـالـد , و الـذي ســُـمــّـي ( هـرم عـوكـل ) .
ــ فـي الـغـرفـة الأخـرى : و فـي نـفـس الـتـاريـخ بـعـد خـمـسـمـائـة
عـام , سـيـكـون الـشـعـب الـلـبـنـانـي بـأكـمـلـه جـالـس فـي قـاعـة
محكمة صـغـيـرة , أمـام قـاضـي مـن أحـفـاد ثـوّار الأرز 14 اّذار
و سـتـتـم مـحـاكـمـة هـذا الـشـعـب بـتـهـمـة رفـضـهـم تـقـديـم لـبـنـان
كـذبـيـحـة إلـهـيـة و كـأضـحـيـة دائـمـة فـي ذكـرى مـقـتـل الـحـريـري .
وسـيُـحـكـم عـلـى الشعب الـلـبـنـانـي بالإسـتـمـاع حـتـى الـمـوت
لإسـطـوانـة ( الـحـقـيـقـة لأجـل لـبـنـان ) مـضـاف إلـيـهـا مـقـاطـع
مـن خـطـاب ألـقـاه سـعـد الـحـريـري قـبـل خمسمئة و ثـلاثـة أعـوام
أي عـام 2006 .
يــُـسـتـثـنـى مـن هـذه الـمـحـاكـمـة , كـلّ مـن ثـبـت ولاءه لـثـورة
الأرز الـمـجـيـدة , و هـؤلاء سـيـُـشـكـّـلـون نــواة لـبـنـان الـجـديـد
الـسـيــّـد الـحـرّ الـحـريـري الـمـسـتـقـلّ .
تــنــويــه : ولـيـد بـك جـنـبـلاط الـحـيّ و إلـى جـانـبـه نـايـلـة
مـعـوّض ( الـحـيـّـة ) سـيـحـضـران الـمـحـاكـمـة كـمـراقـبـَـيـن
سـيـعــلــّـق ولـيـد بجملة واحـدة : ( لبنان إلى أيـن ؟؟ )
بـيـنـمـا نـايـلـة سـتـلـتـفـت إلـى الـشـعـب الـلـبـنـانـي بـعـد قـراءة
الـحـكـم عـلـيـهـم و سـتـقـول لـهـم : ( فـاجـئـنـاكـم مـوو ؟ ) .
ـــ أنـبـاء واردة مـن الـمـرّيـخ تـفـيـد بـوجـود مـواطـن مـرّيـخـي
مـن أصـول لـبـنـانـيـة , و حـفـيـد سـعـد الـحـريـري يـُـرسـل لـه
مـخـتـار قـريـطـم لإعـادة تـجـنـيـسـه و جـلـبـه أثـنـاء الإنـتـخـابـات
إلـى لـبـنـان بـمـركـبـة فـضـائـيـة عـلـى حـسـاب الـحـريـري , شـرط
أن يــُـقـسـم الـمـرّيخي أن يـضع لائـحة الـحريـري الإنـتـخابية ( زي مـاهـيّـي )
رغـم أن لـبـنـان لـم يـعـد فـيـه أحـد سـوى الحريريون بـعـد حـكـم المحكمة
الـوارد أعـلاه .. لـكـن الـحريـري يــُـوضـح بـأن الأمـر يـتـعـلـّق بالـمحـافظة
عـلـى الإرث الـسـيـاسـي الـمـقـدّس .
. * * * * * *
مـشـهـد اّخـر مـُـتـخـيـّـل , فـي نـفـس الـزمـان و الـمـكـان :
ــ الـحـاخـام الـيـهـودي الأكـبـر يـعـتـذر لـلـبـشـريـة جـمـعــاء
عـن الـمـحـارق الـتـي قـامـت بـهـا الـصـهـيـونـيـة بـحـقـّـهـم ويطلب
الـغـفـران عـلـى كـلّ الـجـرائم الـتـي ارتـكـبـهـا الـصـهـايـنـة , و يـقـرّ
بـضـرورة دفـع تـعـويـضـات لـكـل الـشـعـوب الـتـي تـضـررت مـن
هـذه الـمـحـارق و الـمـذابـح . و يـتـعـهــّد بـعـدم سـلـب أي أراضٍ
جـديـدة فـي أيّ مـكـان مـن الـعـالـم و عـدم إقـدام الـصـهـايـنـة عـلـى
أي مـحـرقـة جـديـدة , كـمـا يـوقــّـع عـلـى وثـيـقـة تــُـجــرّم الإنـتـساب
لـلـصـهـيـونـيـة , و يـعـتـرف بـأنّ ســام ابـن نــوح لـم يـتـرك وراءه
ذريــّــة مـطـلـقــاً , لأنّ الـرجـل لـم يـكـن راغـبـاً بالـزواج . و أن تــُـطوى
صـفـحـة الأخ سـام إلـى الأبـد .
ــ فـي الـغـرفـة الأخـرى :
مـمـثـلـون مـنـتـخـبـون عـن الـشـعـب الـلـبـنـانـي بـطـريـقـة غـيـر
طـائـفـيـة ( بـعـد أن تـمّ تـجـريـم الـعـمـل الـطـائفي السياسي
و الإجتماعي ) يـجـتـمـعـون و يـقـرّون بـإسـقـاط صـفـة الـشـهـادة
عـن كـلّ الـزعـمـاء الـطـائـفـيـين و الـمـيـلـيـشـيـاويـيـن و كـلّ
الـتـجـار الـذي قــُـتـلـوا عـلى الأرض الـلـبـنـانـيـة فـي تـصـفـيـة
حـسـابـات تـجـاريـة سـيـاسـيـة .
و إعـادة الإعـتـبـار لـكـل شـهـداء لـبـنـان الحقيقيين مـن الـفـقـراء
و أفـراد الـجـيـش و الـمـقـاومـيـن للإحـتـلال , و أيـضـاً الـذيـن
سـقـطـوا شـهـداء أثـنـاء الإطـلاقـات الـنـاريــّـة الإحـتـفـالـيــّـة
الــتـي كـانـت تـجـري أبـتـهـاجـاً بـخـطـابـات سـعـد و السنيورة
قـبـل قـرون مـن الـزمـن , و تـغـيـيـر اسـم الـمـطـار الـدولـي
و تـسـمـيـتـه بـاسـم أحـد هـؤلاء الـشـهـداء الـفـقـراء تـخـليداً
لـذكـراهـم .
* * * * *
خـلاصـة :
كـيـف يـتـعـرّض الـنـاس للأذى الـمـسـتـمـر مـن شـخـص مـا
فـي حـيـاتـه و بـعـد مـمـاتـه :
حـكـى لـي أحـد أصـدقـاء والـدي , أنــّـه و فـي زمـان الإحـتـلال
الـفـرنـسـي لـسـوريـا و لـبـنـان , كـان هـنـاك مـخـتـاراً لإحـدى
الــقـرى عــيــّـنـه الـفـرنـسـيـّـون لأنـه انـتـهـازي و وصـولـي
و لـم يـتـرك هـذا الـمـخـتـار , شـخـصـاً واحـداً مـن أهـل قـريـتـه
إلاّ و تـسـبـّـب لـه بـدخـول الـسـجـن أو الأذى , بـسـبـب الإفـتـراءات
و الـتـقـاريـر الـتـي كـان يـكـتـبـهـا لـلـفـرنـسـيـيـن بـحـقّ أهـل القرية
نـسـاء و رجـالاً و أطـفـالاً , و أصـبـح اسـم المختار يــُـنـزل الـرعـب
فـي قـلـوب الـنـاس لـشدّة أذيـّــتــه لـهـم .
و بـعـد سـنـوات , مـرض الـمـخـتـار مـرضـاً شـديـداً و لـزم الـفـراش
و أحـسّ بـدنـو أجـلـه , و أخـبـره طبيب الوحدة الفرنسية أنـه لـن
يـنـجـو مـن هـذا الـمـرض و أنّ أيـامـه مـعـدودة , فـأرسـل المختار
فـي طـلـب أهـل قـريـتـه لـيـجـتـمـعـوا أمـام بـيـتـه , و أخـبـرهـم
بـأنــّـه نـادم جـداً عـلـى أذيـتـهـم و أنـه يـدرك أن أحـداً مـنـهـم لـم
يـسـلـــم مـن شـرّه , لـذلـك يـجـب عـلـيـهـم تـنـفـيـذ وصـيـّـتـه بـعـد
مـوتـه , تـكـفـيـراً عـن ذنــوبـه فـي حـقــّـهـم , و أصــرّ عـلـيـهـم
و جـعـلـهـم يقسمون عـلـى تـنـفـيـذ الـوصـيـّة التي تـقـول بـأنّ
عـلـى أهـل الـقـريـة بـعـد أن يـمـوت الـمـخـتـار أن يـجـرّوا
جـثـتـه فـي دروب الـقـريـة كـلـهـا و أن يـدوروا بـهـا عـلـى
كـل الـبـيـوت و هـم يـجـرّونـهـا عـلـى الأرض . كـي يــُـشـفـق
عـلـيـه أهـل الـقـريـة و يـنـال غـفـرانـهـم .
و مـات الـرجـل بـعـد أيــّـام , و انـقـسـم الـنـاس عـلـى بـعـضـهـم .
رجـال الـديـن قـالـوا أنّ هـذا حـرام و لا يـجـوز , و الـنـاس الاّخـريـن
قـالـوا بـأنّ وصـيــّة الـمـتـوفــّـي مـقـدّسـة و يـجـب تـنـفـيـذهـا .
و غـلـب هـذا الـرأي و بـدأوا بـجـرّ الـجـثــّـة , و مـا أن ابـتـعـدوا
لأمـتـار قـلـيـلـة حـتـى راّهـم الـدرك الـفـرنـسـي كـمـا كـان يـتـوقـــّع
الـمـخـتـار الـراحـل .
و جـاءت قـوة فـرنـسـيـة عـلـى الـفـور و أخـذتـهـم جـمـيـعـاً
إلـى الـسـجـن بـتـهـمـة الـتـمـثـيـل بـجـثــّـة مـوظــف فـي
الـحـكـومـة الـفـرنـسـيــّـة يـرتـقـي إلـى صـفـة الشهيد نـظـراً
لـلـخـدمـات الـجـلـيـلـة الـتـي قــدّمـهـا لـحـكـومـة ( الإنـتـداب ) .
و هـكـذا انـتـقـم الـمـخـتـار مـن أهـل قـريـتـه حـيــّـاً و مـيـّـتـاً .
ــ هـذا الأمـر يـنـطـبـق عـلـى الـكـثـيـر مـن الـمـوتـى الـمـُـشـار
إلـيـهـم تـلـمـيـحـاً أو تـصـريـحـاً .. فـي الـمـشـاهـد الـسابقة
أعــلاه .
جــو غـانـم