حـزيـران , أراد فيها أن يــُـعـبـّـر عـن عـجـز قـادة و زعـمـاء
هـذه الأمـة , و أنّ الـدنـيـا فـي واد ٍ و هـم فـي واد , تقول النكتة :
أنّ قـمـّـة عـربـيـة عـُـقـدت بـعـد الـنـكـسـة , وجلس الزعماء العرب
يـتـداولـون الأمـر فيما بينهم , و عـلـت أصواتـهـم و نـقـاشـاتـهـم
و اسـتـمـروا لـسـاعـات عـلـى هـذا الـنـحـو , إلاّ أمـيـر عـربـي
ظــلّ صـامـتـاً مـن أوّل الـجـلـسـة لـم يـنـبـس بـبـنـت شـفـة , ولـم
يــقـل كـلـمـة واحـدة , فـالـتـفـت إلـيـه رئيس الـقـمـة و قـال لـه :
يـا سـمـو الأمـيـر , نـحـن نـتـحـاور و نـتـشـاجـر مـنـذ سـاعـات
و لـم نـصـل إلـى حــلّ , و أنـت سـاكـت شـارد مـسـتـغـرق فـي
الـتـفـكـيـر , لا بــدّ أن تـفـكـيـرك الـعـمـيـق هـذا قـد هــداك إلى
نـتـيـجـة تـفـيـدنـا جـمـيـعـاً و تــُـخـرجـنـا مـمـا نـحـن فـيـه , فـقـل
لـنـا رأيـك أرجـوك , فــردّ الأمـيـر :
مـنـذ دخـلـت إلـى هـذه الـقـاعـة و هـنـاك أمـر واحـد يـشـغـلـنـي
و يـثـيـر عـجـبـي و لـم أجـد لـه جـوابـاً , و هـو كـيـف اسـتـطـعـتم
إدخـال هـذه الـطـاولـة الـكـبـيـرة الـتـي نـجـلـس حـولـهـا , مـن بـاب
الـقـاعـة الـصـغـيـر ذاك ؟ .
نـحـن نـعـلـم أنه و في أحـلـك الأوقات و أصعبها في تاريخ أمتـنا
و حـاضرها .. كـانت الـطـاولـة الكبيرة و إعجاز دخـولها من الباب
الصغير ــ بـرمـزيــّـة النكتة ــ هـي أعـظـم مـا يـشـغـل بـال بـعـض
الـقـادة الـعـرب , لـكـنـي لـم أكـن أتـخـيـّـل أن نـتـحـوّل نـحـن الشعوب
رغـم ضـعـفـنـا و هـوانـنـا , إلـى نـكـتـة بـايـخـة لا تــُـضـحـك أحـداً .
وأن نـتـرك القضية الكبرى برمــّتها و نـركـّز جهدنا و تفكيرنا على
أمور صغيرة و تافهة كأمر الطاولة الكبيرة و الباب الصغير .
إن ردّة فـعـل بـعـض الأخـوة الـمـصـريـيـن عـلـى انـتـقـاد أداء حكومتهم
مـن قـبـل مـصـريـيـن اّخـريـن أو مـواطـنـيـن عـرب , هـو أعـجـب
مـا سـمـعـت و أغـرب مـا قـرأت . و حـيـن يسـتـطـيـع أي نـظـام عـربي
فـاشـل و مـقـصــّـر أن يــُوهـم شـعـبـه , أن انـتـقـاده هـو إهـانة لـلـشـعـب
فـهـذا يـعـنـي أن هـذا الـشـعـب يـسـتـحـقّ نـظـامـاً كـهـذا بـل يـسـتـحـقّ
مـا هـو أسـوأ مـنـه , و تـنـطـبـق عـلـيـه مـقـولـة ( كـمـا تـكـونـوا يـولــّـى
عـلـيـكـم ) .
مـن نـاحـيـة أخـرى , إن اسـتـغـلال تـقـصـيـر أي نـظـام عـربـي لـتـوجيه
الإهـانـة لـلـشـعـب فـعـلاً , هـو فـعـلٌ رخـيـص لا يــُـقـدم عـلـيـه سـوى
عـاجـز اّخـر يـريـد تـوريـة عـجـزه و إلـقـاء الـلـوم عـلـى غـيـره .
فـنـحـن لـم نـفـقـد الـذاكـرة بـعـد , و نـعـرف جـيـداً أنّ الـعـرب تـعـلـّمـوا
الـنـضـال و أخـذوا الأدب و الـعـلـم و سـبـل الـحـضـارة مـن شـعـب
مـصـر , و لا يـسـتـطـيـع أحـد الـمـزايـدة عـلـى ذلك الاّن سـوى الـذيـن
يـقـدّمـون أرواحـهـم فـي سـاحـة الـمـعـركـة .
إنّ غـزة عـلـى حـدود مـصـر , و لـيـسـت عـلـى حـدود طـهـران و لا
باكستان و كـان واضـحـاً لـلـقـاصـي و الـدانـي , ولـلـمـواطـن المصري
أولاً و أخـيـراً أن الحكومة الـمـصريـّـة اضـطـلـعـت بـدور لا يـلـيـق
بـمـصـر و لا بـشـعـب مـصـر , و هـــو دور لا يـمـكـن تـــفـسـيـره
عـلـى نـحـو جـيـّـد و لا تـبـريـره أبــداً , و الـمـواطـن الــمــصـري
الـذي يـنـتـقـد حـكـومـتـه لـيـل نـهـار و يـدعـو إلـى الـخـلاص مـنها
هـو نـفـس الـمـواطـن الـذي يـحـقّ لـه انـتـقـاد أي نـظـام عـربـي اّخـر
يـشـبـه الـنـظـام الـمـصـري ( و مـعـظـمـهـم حـالـة واحـدة ) و الوقوف
إلـى جـانـب أخـوتـه فـي ذاك الـبـلـد و دعـمـهـم لـلـخـلاص مـن ظـالميهم
لـكـنـه لـيـس نـفـس الـمـواطـن الـذي مـا أن يـأتـي الـنـقـد مـن الخارج
حـتـى يـتـحـوّل إلـى شـخـص مختلف تماماً يـخـتـبـئ خـلـف هـذا الـنـظام
و يـبـرّر لـه كـل أفـعـالـه لأنّ الـنـقـد جـاء مـن ( الأعـداء الـعـرب ) .
مـبـارك لـيـس مـصـر , و نـظـام مـبـارك لـيـس شـعـب مـصـر . و أبو
الـغـيـط لـيـس الـنـاطـق الـرسـمـي بـاسـم شـعـب مـصـر , كـمـا أنّ
أي وزيـر خـارجـيـة عـربـي لـيـس نـاطـقـاً بـاسـم شـعـبـه , و مـحاولة
إفـهـامـنـا أن انـتـقـاد أداء حكومـة مبـارك هـو إهـانـة لـمـصـر و إساءة
لـشـعـب مـصـر , هـذا يـبـخـس قـيـمـة شـعـب مـصـر الـعـظـيـم و يخـتصره
فـي مـبـارك . فـمـبـارك هـو مـصـر , إن نـام مـبـارك نـامـت مـصـر
و إن قـام مـبـارك قـامـت مـصـر , وإن مـرض مـبـارك مـرضت مـصـر .
الـبـارحـة و عـلـى شـاشـة قـنـاة دريـم الـمـصـريـة , سـمـعـت الـدكـتـور
الـعـزيــز يـاسـر أيـّـوب يـوجــّـه كـلامـاً قـويــّـاً بـهـذا الـمـعـنى
للإعـلام الـعـربـي عـامـة و الـمـصـري خـاصـّـة و يـحـاول أن يقول
لـهـم ( بـأدبـه المعروف عنه ) أن يـخـجـلـوا مـن أنـفـسـهم قـلـيـلاً
و أن يـدركـوا أن لا أحـد فـوق الـنـقـد , وأن انـتـقـاد الأشـخـاص
لا يـعـنـي انـتـقـاد الـشـعـوب و لـيـس فـيـه إهـانـة لـلـشـعـوب .
و أنــّـه مـن الـعـار عـلـى كـاتـب مـا أن يـكـتـب لـنـا مـقـالات
بالـجـمـلـة قـبـل سـنـتـيـن يـقـول فيها أن حـزب الله ـ مـثـلاً ــ هـو
رمـز شـرف و عـزّة و مـقـاومـة هـذه الأمـة ثـم يـأتـي الـيـوم
لـيـقـول لـنا أن حـزب الله و الـمـقـاومـة هـم سـبـب بـلاء هـذه
الأمـة !!! لأنّ قـائـد حـزب الله انـتـقـد أداء الحكومة الـمـصـريــّـة .
و يـضـيـف الـدكـتـور أيـوب بـأنـه لـم يـعـد بالإمـكـان اسـتـغـبـاء
و اسـتـغـفـال الـمـواطـن الـعـربي و الـتـعـامـل مـعـه بهذه الطريقة .
نـحـن نـتـعـلــّـم الـكـثـيـر مـن أمـثـال الـدكـتـور يـاسـر أيـوب وأستاذنا
الـكـبـيـر حـمـدي قـنـديـل , و الأسـتـاذ ابراهيم عـيـسى , و غيرهم
و غيرهم كـثـر , لا يـمـكـن عـدّهـم و إحـصـائـهـم فـي مـصـر ,
بـل حـتـى حـيـن نـخـتـلـف مـعـهـم , يـفـرضـون عـلـيـنـا الطريقة
الـحـضاريــّـة المـحـتـرمـة عـنـد الاخـتـلاف فـي الـرأي .
فـلـمـاذا تـريـدون مـنـي أن أخـتـصـر مـصـر و أبـنـائـهـا الـكـبـار
هـؤلاء و غيرهم, بـصـورة مـبـارك , أو تـصـاريـح أبـو الـغـيـط الـتـي
يـعـجـز الـتـاريـخ عـن حـشـرهـا فـي زاويـة بـيـضـاء أو سـوداء
مـن كـتـبـه . هـذه لـيـسـت مـصـر الـتـي نـعـرفـهـا , و لا أحـد
يـطـلـب مـن مـصـر أن تـذهـب إلـى الـحـرب صـبـاحـاً , أو أن
يـقـوم الـشـعـب الـمـصـري لـيـحـوّل بـلـده إلـى فـوضـى عـارمـة .
و لا أريـد أن أعـيـد و أكـرّر مـا قـالـه أبـنـاء مـصـر قـبـل غيرهم
عـمـّـا هـو مـطـلـوب مـن مـصـر الاّن , فـمـن لا يـعـرف مـا هي
مـصـر و مـا يـنـبـغـي أن تـكـون عـلـيـه و مـا هـو دور مـصـر
مـنـذ فـجـر الـتـاريـخ حـتـى الاّن , فـلا يـأتـي و يـدافـع عـن مـصـر
فـمـصـر لـيـسـت بـحـاجـة لـمـن يـدافـع عـنـهـا بـهـذه الـطـريـقـة .
و أن يـريـد لـهـا أن تـكـون مـجـرّد حـكـومـة ظــلّ لأي قـوة مـهـيمنة
فـي الـمنطقة . ومن ثمّ إيـراد الحجج الـواهـيـة , مـن بـاب أنّ المقاومة
هـي خـطـر عـلـى فـلـسـطـيـن و مـصـر مـعـاً , و أن الـمـعـركـة غير
مـتـكـافـئـة لـذلـك يـجـب عـلـيـنـا أن نـخـنـع و نـسـكـت , و نـعـطـي
الإسـرائـيـلـي مـا يـريـد إلـى أن نـتـجـهـّـز .عـلـى مـبـدأ " اصـقـل
سـيـفـك يـا عـبـّـاس " ( قصيدة لـلشاعـر العربـي أحمد مطر يـمكن
إيجادها على الشـبـكـة ) . فـمـا تـقـولـونـه الاّن عـن المقاومة الفلسطينية
هـو نـفـس مـا قـالـه الـبـعـض عـن حـزب الله سـابـقـاً , بالـتـمـام و الكمال.
و حـيـن تـوفــّرت أبـسـط الـظـروف للـمـقـاومـة اللبنانية , قـاتـلـت
و انـتـصـرت , ألـم نـتـعـلــّـم شـيـئـاً مـن الـتـاريـخ بـعـد ؟ ألـــم
يـعـلــّمـنـا الـصـهـايـنـة أنـفـسـهـم أن لا يـردّون أبـسـط الحـقـوق
سـوى بالقوة ؟ هـنـاك فـي فـلـسـطـيـن مـن يـريـد أن يــُـعـيـد حـقـّـه
بـعـد أن لـعـبـت بـنـا اسرائيل و المجتمع الدولي لسنوات طويلة باسم
السلام , و دفـع أبـو عـمـّـار نـفـسـه ثـمـن إيـمـانـه بالسلام مع هؤلاء .
و لا أحـد طــالـب بــدمـاء أبـــو عـمـّـار , هـنـاك مــن لا زال لـديــه
إرادة لـلـقـتـال فـي فلسطين , فـلا تـكـبـلــّـوه و تـقـولـوا لـه انــت عـاجز
و ضـعـيـف , لـيـس مـطـلـوب مـنـّـا و مـنـكـم سـوى أمـر واحــد :
لا تـقـطـعـوا عـنـه الـهـواء فــتـخـنـقـوه , ثـم تـتـهـمـونـه بالإنـتحار .
ظـلـلـنـا لأكـثـر مـن نـصـف قـرن نـصـقـل سـيـوفـنـا كـعـبـّـاس
و نــدّعـي الـعـمـل لـمـصـلـحـة هــذه الأمــّـة و قـضـايـاهـا
إلى أن دخـل الـعـدو إلى بـيـوتـنـا و سـرق الـنـعـجـة و الـبـقـرة
و قـتـل الـطـفـل و اغـتـصـب الـمـرأة , ولا زلـنـا نـصـقـل سيوفـنـا
و نــردّد الـخـطـابـات نـفـسـهـا . ونـرى أنه لم يـحـن وقـت اسـتـعـمـال
الـسـيـف بـعـد و أنّـه لا زال بالإمـكـان مـنـاورة الـعـدو .
فـلـمـن تــصـقـل سـيـفـك يـا عـبــّـاس ؟
لــوقــت الــشــدّة ؟؟
إذن اصــقـل سـيـفـك يـا عـبـّـاس .
جـو غـانـم