السبت، 12 سبتمبر 2009

ليلة القبض على "الاّخر"

تـجـلـس يـومـيـاً أمـام الـتـلـفـاز , و سـواء أكـنـت تـشـاهـد مـسـلـسـلاً درامـيـّاً

أو بـرنـامـجـاً إجـتـمـاعـيـاً , أو حـواراً سـيـاسـيـاً , أو لـقـاءً فـنـيـّـاً أو حـصـّـة

ديـنـيـة دعـويـة , إسـلاميّة كـانـت أم مـسـيـحـيـّـة , أو حـتـى و أنـت تـشـاهـد

الإعـلانـات , دائـمـاً هـنـاك ثـابـتٌ مـشـتـرك واحـد : نـحـن مـلائـكـة !!

الـجـمـيـع مـلائـكـة دون اسـتـثـنـاء , لا يـوجـد شـرّيـر واحـد فـي هـذا الـوطـن

الـعـربـي الـكـبـيـر , الـشـريـر دائـمـاً هـو ( الاّخـر ) , أيّ اّخـر لا عـلـى الـتـعـيـيـن .

الـمـهـم أنــّـه غـيـر مـوجـود مـعـنـا فـي هـذه ( الـجـلـسـة ) .

لـيـس فـقـط , الشرير هـو الاّخـر , بـل أيـضـاً الإنسان " العادي " هـو الاّخـر .

و الـجـيـّد أيضاً ــ لو تـواضـعـنـا و سـلـّمـنـا بوجوده ــ هـو الاّخـر , نـحـن مـا

فـوق الـعـادي , و مـا هـو أفـضـل بـكـثـيـر مـن الـجـيـد , نـحـن عـلامـة الـجـودة .

الـفـنـانـة الـفـلانـيـة , تــُـخـبـرك عـن فـضـائـل شـهـر رمـضـان , و تــُـبـيـّن لـك

سـبـُـل الـنـجـاة فـي رمـضـان , و عـن دورهـا الـتـوجـيـهـي العظيم في المسلسل

الفلاني الـذي يـُعرض الاّن في رمـضـان , كـذلـك الـفـنـان العلاّني , يـُقسم بخشوع

أنه يقوم الليل كلّه في رمضان . و هـمـا مـعـاً , يـقـبـضـان ثـمـن هـذه الـحـصـّـة

الإرشـاديـة الإعـلانـيـة سـلـفـاً , و قـبـل بـدء الـبـرنـامـج . و يـروّجـان لأعمالهما

التجارية ( الـفـنية ــ الـتـافـهـة ) الحالية أو القادمة .

تـذهـب إلـى مـحـلاّت بـيـع الـمـواد الـغـذائـيـة , أتـحـدّى أن تـشـتـري مـنـتـجـاً عربياً

واحـداً , لـم يـدخـل فـيـه غـشّ , لكنّ الملصق الخارجي على المنتج يكاد يـخـبـرك أنّ

هـذه الـمـنـتج صـُـنـع بالأمـانـة و قــُـرأ عليه قراّنٌ و إنـجـيـل , و أنّك لـو شـكـكـت

مـجـرّد شـكّ أنّ في الأسـواق كـلها , منتج اّخـر من نفس النوع , بـنـفـس جـودتـه

فـيـمـكـنـك إعـادتـه و اسـتـعـادة نـقـودك فـوراً , إضـافـة إلـى عـلـم و خـبـر بـأنّ

أصـحـاب هـذه الـعـلامـة الـتـجـاريـة يـعـمـلـون فـي هـذا الـمـجـال مـنـذ مـائـة

و خـمـسـون عـاماً , و أنّ الجودة و الأمانة هي سـرّ استمراريتهم , و إن كنت

لا تصدّق , فـاسـأل أيّ عـنـصـر جـنـدرمـا مـنَ الجـيش الإنـكشاري .

نـجـلـس أمام التلفاز أو على القهوة أو خلف مكاتبنا , و نـتـحـدّث عـن مـعـانـاة

أهـل غـزّة , وعـن ظـلـم و جبروت الصهاينة وعـن تـهـويـد الـقـدس وسـرقـتـهـا

إلى الأبـد , و سلـبهـا أسمائها العربية أيضاً, وحـيـن نـبحـث عـن الـفـعـل , نـجـد

صـحـفـيـّاً سـويـديـاً من شمال الكرة الأرضية , يـكـشـف إجـرام هـذا الـكيـان

العنصري و بـيـعـه للأعـضاء الـبشرية التي يسرقـهـا مـن أجـساد الشهـداء

و الأسرى و الجرحى , و يـقـف الـرجـل فـي وجـه الصـهـيـونـيـة مـعـتـداً

بـأمـانـتـه الصحفية و الأخـلاقـيـة . ثم نـعـلـن نـحـن عـن تـضـامـنـنـا مـع

" دونـالد بوسـتـروم " . يـا سـبـحـان الله ! . نـحـن نـتـضـامـن مـع دونالد

بوستروم ؟ و عـلـى بـوسـتـروم أن يـشـكـرنـا لأنـنـا أخـذنـا هـذا الـمـوقـف

الـنـبـيل مـن ( قـضـيـتـه ) !! .

مـن نـاحـيـة أخـرى تـجـد عـشـرات النساء و الرجال أتـوا من أصـقـاع العالم

الـبـعـيـد , و اعـتـصـمـوا مـنـذ أشـهـر و حـتـى الاّن عـلـى مـعـبـر رفـح , لـيس

مـعـهـم سـوى امـرأتـان عـربـيـتـان ( أو ثلاث ) , لـيـس بـيـنـهـم رجـل عـربي

واحـد , لا أنـا , و لا أنـت أخـي المناضل .

تـعـرف أنّ بـعـض الـلـبـنـانـيـيـن كـانـوا و لا زالـوا , يـقـولـون بـأنّ الحرب

الأهـلـيـة الـلـبـنـانـيـة كـانـت ( حـرب الاّخـريـن عـلـى أرضـنـا ) و أنّ مـا مـن

لـبـنـانـيّ واحـد كـان يـقـبـض على الزنـاد و يطلق النار , لا , لـم يـكـن أحـد

مـنـهـم هـنـاك , لـم يـكـن هـنـاك سـوى ( الاّخـرون ) . الأمـر ذاتـه الاّن فـي

الـعـراق , الاّخـرون هـم مـن يـقـتـلـون و يـتـقـاتـلـون , ( و أمـريـكـا لـيـسـت

مـنَ الاّخـريـن طـبـعـاً ) .

تـتـابـع حـوارات الـسـيـاسيـيـن و الإعلامـيـيـن الـلـبـنـانـيـيـن , حـول تشكيل

الحكومة , و عن هـذا الـتـعـطـيـل الـطـويـل , أتـحـدّى مـرّة أخـرى أن تـسـمـع

واحـد مـنـهـم يـقـول بـأنّ لـه عـلاقـة بـالتعطيل , نـعـود إلـى الـثـابـت الـواحـد

و الـوحـيـد : الـجـمـيـع مـلائـكـة , و الـحـقّ عـلـى الاّخـر .

لـمـاذا لا تـجـتـمـع الـجـامـعـة الـعـربـيـة و تـرصـد مـكـافـأة كـبـيـرة لـلـقـبـض

عـلـى ( الاّخـر ) , عـلّ مـشـاكـلـنـا جـمـيـعـاً تـنـتـهـي و إلـى الأبـد ؟ .

هـل أصـبـحـنـا شـعـوبـاً افـتـراضـيـّة حـقـاً ؟

أم أُصـبـنـا جـمـيـعـا بـانـفـصـام فـي الـشـخـصـيـة , جـعـلـت كـلّ مـنـا يـعـيـش

بـشـخـصـيـتـيـن مـتـنـاقضتـيـن تـمـامـاً , واحـدة تـنـتـمـي لـصـنـف الملائكة

مـوجـودة فـي خـيـالـه فـقـط , و الأخـرى تـعـيـثُ فـسـاداً فـي هـذه الأرض

دون حسيـبٍ أو رقـيـب , لأنّ أحـداً لا يـعـتـرف بـوجـودهـا مـطـلـقـاً ؟!


جـو غـانـم


11