الأربعاء، 31 ديسمبر 2008

لـمـن تـصـقـل سيـفـك يـا عـبـّاس

هـنـاك نـكـتـة قـديـمـة تـداولـهـا الشعب العربـي بـعـد نـكـسـة

حـزيـران , أراد فيها أن يــُـعـبـّـر عـن عـجـز قـادة و زعـمـاء

هـذه الأمـة , و أنّ الـدنـيـا فـي واد ٍ و هـم فـي واد , تقول النكتة :

أنّ قـمـّـة عـربـيـة عـُـقـدت بـعـد الـنـكـسـة , وجلس الزعماء العرب

يـتـداولـون الأمـر فيما بينهم , و عـلـت أصواتـهـم و نـقـاشـاتـهـم

و اسـتـمـروا لـسـاعـات عـلـى هـذا الـنـحـو , إلاّ أمـيـر عـربـي

ظــلّ صـامـتـاً مـن أوّل الـجـلـسـة لـم يـنـبـس بـبـنـت شـفـة , ولـم

يــقـل كـلـمـة واحـدة , فـالـتـفـت إلـيـه رئيس الـقـمـة و قـال لـه :

يـا سـمـو الأمـيـر , نـحـن نـتـحـاور و نـتـشـاجـر مـنـذ سـاعـات

و لـم نـصـل إلـى حــلّ , و أنـت سـاكـت شـارد مـسـتـغـرق فـي

الـتـفـكـيـر , لا بــدّ أن تـفـكـيـرك الـعـمـيـق هـذا قـد هــداك إلى

نـتـيـجـة تـفـيـدنـا جـمـيـعـاً و تــُـخـرجـنـا مـمـا نـحـن فـيـه , فـقـل

لـنـا رأيـك أرجـوك , فــردّ الأمـيـر :

مـنـذ دخـلـت إلـى هـذه الـقـاعـة و هـنـاك أمـر واحـد يـشـغـلـنـي

و يـثـيـر عـجـبـي و لـم أجـد لـه جـوابـاً , و هـو كـيـف اسـتـطـعـتم

إدخـال هـذه الـطـاولـة الـكـبـيـرة الـتـي نـجـلـس حـولـهـا , مـن بـاب

الـقـاعـة الـصـغـيـر ذاك ؟ .

نـحـن نـعـلـم أنه و في أحـلـك الأوقات و أصعبها في تاريخ أمتـنا

و حـاضرها .. كـانت الـطـاولـة الكبيرة و إعجاز دخـولها من الباب

الصغير ــ بـرمـزيــّـة النكتة ــ هـي أعـظـم مـا يـشـغـل بـال بـعـض

الـقـادة الـعـرب , لـكـنـي لـم أكـن أتـخـيـّـل أن نـتـحـوّل نـحـن الشعوب

رغـم ضـعـفـنـا و هـوانـنـا , إلـى نـكـتـة بـايـخـة لا تــُـضـحـك أحـداً .

وأن نـتـرك القضية الكبرى برمــّتها و نـركـّز جهدنا و تفكيرنا على

أمور صغيرة و تافهة كأمر الطاولة الكبيرة و الباب الصغير .



إن ردّة فـعـل بـعـض الأخـوة الـمـصـريـيـن عـلـى انـتـقـاد أداء حكومتهم

مـن قـبـل مـصـريـيـن اّخـريـن أو مـواطـنـيـن عـرب , هـو أعـجـب

مـا سـمـعـت و أغـرب مـا قـرأت . و حـيـن يسـتـطـيـع أي نـظـام عـربي

فـاشـل و مـقـصــّـر أن يــُوهـم شـعـبـه , أن انـتـقـاده هـو إهـانة لـلـشـعـب

فـهـذا يـعـنـي أن هـذا الـشـعـب يـسـتـحـقّ نـظـامـاً كـهـذا بـل يـسـتـحـقّ

مـا هـو أسـوأ مـنـه , و تـنـطـبـق عـلـيـه مـقـولـة ( كـمـا تـكـونـوا يـولــّـى

عـلـيـكـم ) .

مـن نـاحـيـة أخـرى , إن اسـتـغـلال تـقـصـيـر أي نـظـام عـربـي لـتـوجيه

الإهـانـة لـلـشـعـب فـعـلاً , هـو فـعـلٌ رخـيـص لا يــُـقـدم عـلـيـه سـوى

عـاجـز اّخـر يـريـد تـوريـة عـجـزه و إلـقـاء الـلـوم عـلـى غـيـره .

فـنـحـن لـم نـفـقـد الـذاكـرة بـعـد , و نـعـرف جـيـداً أنّ الـعـرب تـعـلـّمـوا

الـنـضـال و أخـذوا الأدب و الـعـلـم و سـبـل الـحـضـارة مـن شـعـب

مـصـر , و لا يـسـتـطـيـع أحـد الـمـزايـدة عـلـى ذلك الاّن سـوى الـذيـن

يـقـدّمـون أرواحـهـم فـي سـاحـة الـمـعـركـة .

إنّ غـزة عـلـى حـدود مـصـر , و لـيـسـت عـلـى حـدود طـهـران و لا

باكستان و كـان واضـحـاً لـلـقـاصـي و الـدانـي , ولـلـمـواطـن المصري

أولاً و أخـيـراً أن الحكومة الـمـصريـّـة اضـطـلـعـت بـدور لا يـلـيـق

بـمـصـر و لا بـشـعـب مـصـر , و هـــو دور لا يـمـكـن تـــفـسـيـره

عـلـى نـحـو جـيـّـد و لا تـبـريـره أبــداً , و الـمـواطـن الــمــصـري

الـذي يـنـتـقـد حـكـومـتـه لـيـل نـهـار و يـدعـو إلـى الـخـلاص مـنها

هـو نـفـس الـمـواطـن الـذي يـحـقّ لـه انـتـقـاد أي نـظـام عـربـي اّخـر

يـشـبـه الـنـظـام الـمـصـري ( و مـعـظـمـهـم حـالـة واحـدة ) و الوقوف

إلـى جـانـب أخـوتـه فـي ذاك الـبـلـد و دعـمـهـم لـلـخـلاص مـن ظـالميهم

لـكـنـه لـيـس نـفـس الـمـواطـن الـذي مـا أن يـأتـي الـنـقـد مـن الخارج

حـتـى يـتـحـوّل إلـى شـخـص مختلف تماماً يـخـتـبـئ خـلـف هـذا الـنـظام

و يـبـرّر لـه كـل أفـعـالـه لأنّ الـنـقـد جـاء مـن ( الأعـداء الـعـرب ) .

مـبـارك لـيـس مـصـر , و نـظـام مـبـارك لـيـس شـعـب مـصـر . و أبو

الـغـيـط لـيـس الـنـاطـق الـرسـمـي بـاسـم شـعـب مـصـر , كـمـا أنّ

أي وزيـر خـارجـيـة عـربـي لـيـس نـاطـقـاً بـاسـم شـعـبـه , و مـحاولة

إفـهـامـنـا أن انـتـقـاد أداء حكومـة مبـارك هـو إهـانـة لـمـصـر و إساءة

لـشـعـب مـصـر , هـذا يـبـخـس قـيـمـة شـعـب مـصـر الـعـظـيـم و يخـتصره

فـي مـبـارك . فـمـبـارك هـو مـصـر , إن نـام مـبـارك نـامـت مـصـر

و إن قـام مـبـارك قـامـت مـصـر , وإن مـرض مـبـارك مـرضت مـصـر .

الـبـارحـة و عـلـى شـاشـة قـنـاة دريـم الـمـصـريـة , سـمـعـت الـدكـتـور

الـعـزيــز يـاسـر أيـّـوب يـوجــّـه كـلامـاً قـويــّـاً بـهـذا الـمـعـنى

للإعـلام الـعـربـي عـامـة و الـمـصـري خـاصـّـة و يـحـاول أن يقول

لـهـم ( بـأدبـه المعروف عنه ) أن يـخـجـلـوا مـن أنـفـسـهم قـلـيـلاً

و أن يـدركـوا أن لا أحـد فـوق الـنـقـد , وأن انـتـقـاد الأشـخـاص

لا يـعـنـي انـتـقـاد الـشـعـوب و لـيـس فـيـه إهـانـة لـلـشـعـوب .

و أنــّـه مـن الـعـار عـلـى كـاتـب مـا أن يـكـتـب لـنـا مـقـالات

بالـجـمـلـة قـبـل سـنـتـيـن يـقـول فيها أن حـزب الله ـ مـثـلاً ــ هـو

رمـز شـرف و عـزّة و مـقـاومـة هـذه الأمـة ثـم يـأتـي الـيـوم

لـيـقـول لـنا أن حـزب الله و الـمـقـاومـة هـم سـبـب بـلاء هـذه

الأمـة !!! لأنّ قـائـد حـزب الله انـتـقـد أداء الحكومة الـمـصـريــّـة .

و يـضـيـف الـدكـتـور أيـوب بـأنـه لـم يـعـد بالإمـكـان اسـتـغـبـاء

و اسـتـغـفـال الـمـواطـن الـعـربي و الـتـعـامـل مـعـه بهذه الطريقة .

نـحـن نـتـعـلــّـم الـكـثـيـر مـن أمـثـال الـدكـتـور يـاسـر أيـوب وأستاذنا

الـكـبـيـر حـمـدي قـنـديـل , و الأسـتـاذ ابراهيم عـيـسى , و غيرهم

و غيرهم كـثـر , لا يـمـكـن عـدّهـم و إحـصـائـهـم فـي مـصـر ,

بـل حـتـى حـيـن نـخـتـلـف مـعـهـم , يـفـرضـون عـلـيـنـا الطريقة

الـحـضاريــّـة المـحـتـرمـة عـنـد الاخـتـلاف فـي الـرأي .

فـلـمـاذا تـريـدون مـنـي أن أخـتـصـر مـصـر و أبـنـائـهـا الـكـبـار

هـؤلاء و غيرهم, بـصـورة مـبـارك , أو تـصـاريـح أبـو الـغـيـط الـتـي

يـعـجـز الـتـاريـخ عـن حـشـرهـا فـي زاويـة بـيـضـاء أو سـوداء

مـن كـتـبـه . هـذه لـيـسـت مـصـر الـتـي نـعـرفـهـا , و لا أحـد

يـطـلـب مـن مـصـر أن تـذهـب إلـى الـحـرب صـبـاحـاً , أو أن

يـقـوم الـشـعـب الـمـصـري لـيـحـوّل بـلـده إلـى فـوضـى عـارمـة .

و لا أريـد أن أعـيـد و أكـرّر مـا قـالـه أبـنـاء مـصـر قـبـل غيرهم

عـمـّـا هـو مـطـلـوب مـن مـصـر الاّن , فـمـن لا يـعـرف مـا هي

مـصـر و مـا يـنـبـغـي أن تـكـون عـلـيـه و مـا هـو دور مـصـر

مـنـذ فـجـر الـتـاريـخ حـتـى الاّن , فـلا يـأتـي و يـدافـع عـن مـصـر

فـمـصـر لـيـسـت بـحـاجـة لـمـن يـدافـع عـنـهـا بـهـذه الـطـريـقـة .

و أن يـريـد لـهـا أن تـكـون مـجـرّد حـكـومـة ظــلّ لأي قـوة مـهـيمنة

فـي الـمنطقة . ومن ثمّ إيـراد الحجج الـواهـيـة , مـن بـاب أنّ المقاومة

هـي خـطـر عـلـى فـلـسـطـيـن و مـصـر مـعـاً , و أن الـمـعـركـة غير

مـتـكـافـئـة لـذلـك يـجـب عـلـيـنـا أن نـخـنـع و نـسـكـت , و نـعـطـي

الإسـرائـيـلـي مـا يـريـد إلـى أن نـتـجـهـّـز .عـلـى مـبـدأ " اصـقـل

سـيـفـك يـا عـبـّـاس " ( قصيدة لـلشاعـر العربـي أحمد مطر يـمكن

إيجادها على الشـبـكـة ) . فـمـا تـقـولـونـه الاّن عـن المقاومة الفلسطينية

هـو نـفـس مـا قـالـه الـبـعـض عـن حـزب الله سـابـقـاً , بالـتـمـام و الكمال.

و حـيـن تـوفــّرت أبـسـط الـظـروف للـمـقـاومـة اللبنانية , قـاتـلـت

و انـتـصـرت , ألـم نـتـعـلــّـم شـيـئـاً مـن الـتـاريـخ بـعـد ؟ ألـــم

يـعـلــّمـنـا الـصـهـايـنـة أنـفـسـهـم أن لا يـردّون أبـسـط الحـقـوق

سـوى بالقوة ؟ هـنـاك فـي فـلـسـطـيـن مـن يـريـد أن يــُـعـيـد حـقـّـه

بـعـد أن لـعـبـت بـنـا اسرائيل و المجتمع الدولي لسنوات طويلة باسم

السلام , و دفـع أبـو عـمـّـار نـفـسـه ثـمـن إيـمـانـه بالسلام مع هؤلاء .

و لا أحـد طــالـب بــدمـاء أبـــو عـمـّـار , هـنـاك مــن لا زال لـديــه

إرادة لـلـقـتـال فـي فلسطين , فـلا تـكـبـلــّـوه و تـقـولـوا لـه انــت عـاجز

و ضـعـيـف , لـيـس مـطـلـوب مـنـّـا و مـنـكـم سـوى أمـر واحــد :

لا تـقـطـعـوا عـنـه الـهـواء فــتـخـنـقـوه , ثـم تـتـهـمـونـه بالإنـتحار .

ظـلـلـنـا لأكـثـر مـن نـصـف قـرن نـصـقـل سـيـوفـنـا كـعـبـّـاس

و نــدّعـي الـعـمـل لـمـصـلـحـة هــذه الأمــّـة و قـضـايـاهـا

إلى أن دخـل الـعـدو إلى بـيـوتـنـا و سـرق الـنـعـجـة و الـبـقـرة

و قـتـل الـطـفـل و اغـتـصـب الـمـرأة , ولا زلـنـا نـصـقـل سيوفـنـا

و نــردّد الـخـطـابـات نـفـسـهـا . ونـرى أنه لم يـحـن وقـت اسـتـعـمـال

الـسـيـف بـعـد و أنّـه لا زال بالإمـكـان مـنـاورة الـعـدو .

فـلـمـن تــصـقـل سـيـفـك يـا عـبــّـاس ؟

لــوقــت الــشــدّة ؟؟

إذن اصــقـل سـيـفـك يـا عـبـّـاس .



جـو غـانـم


الـبـحـث عـن صـفـقـة تـبـادل

مـنـظـر وزراء الـخـارجـيـّـة الـعـرب هـذا الـيـوم , حـرّك بـحـراً

هـائـجـاً فـي داخـلـي , اخـتـلـطـت الـصـور و الأحـداث و الـذكـريـات

فـي رأسـي , و كـأنّ أحـداً مـا قـد قـلـبـنـي رأسـاً عـلـى عـقـب .

أوّل مـشـهـد خـطـر لـي دون قصد أو مـقـدمـّـات , هـو وجـه الأديـب الكبير

طـه حـسـيـن , و كـأنــّـي أراه الاّن و أسـمـعـه حـيـن قـال لـبعض الـطـلـبـة

ذات يـوم : الـحـمـد لله الـذي خـلـقـنـي أعـمـى كـي لا أرى هـذه الـوجـوه

الـبـائـسـة .

عـادت بـي الـصـورة إلـى سـنـوات مـضـت , رأيـت نـفـسـي ايـام الـدراسـة .

ذاك الشاب الـمـتـحـمـّـس لـكـلّ شـيء و لأي شيء , و الـذي يـقـدّس

الـتـراب الـذي يـقـف عـلـيـه , دون أن يـعـرف لـمـاذا , و رغم ذلك هـو

يـظـنّ أنــّه يـعـرف كـلّ شـيء , و لـو سـألـتـه يـومـهـا , لادّعـى أن

باسـتـطاعته أن يـأتي لك مـن الأسـبـاب , مـا لم تـسـتـطـعـه الأوائـل

عـلـى رأي أبـي الـعـلاء الـمـعـرّي ( الأعـمـى هـو الاّخـر ) .

و الـمـشـهـد الأكـثـر حـضـوراً في هـذه الـصـورة , هـو ذاك الشعور

الغريب الذي كـنـّـا نـشـعـر به و نـحـن نـردّد وراء الرائع مـارسـيـل خليفة

إنــّـي اخـتـرتــك يـا وطـنـي حـبــّـاً و طـواعـيـّـة

إنــّـي اخـتـرتــك يـا وطـنــي ســرّاً و عـلانـيــّـة

يــا وطـنـي الـرائــع يـا وطـنـي .

لا أدري لـمـاذا يــزعـجـنـي جـداً هـذا الـمـشـهـد الاّن , رغـم أنّ

هـذه لـيـسـت الـمـرة الأولـى و لا الـعـاشـرة الـتـي أشـعـر فيها

أنـنـي تــعـرّضـت لـعـمـلـيـة نـصـب و خــداع , كـنـت أنـا الـمـتـورّط

الأوّل و الأخـيـر فـيـهـا , و أنـا حـاصـد نـتـائـجـهـا .

هـذا الـوطـن لـيـس أغـنـيـة , و لـيـس تـراباً و سـهـولاً و جـبـالاً .

و لا شـجـر أرز و سـنـديـان . و لا صـبـيـّـة جـمـيـلـة أحـضـنـهـا

بـيـن ذراعـي و أرى فـي وجـهـهـا صـورة الـوطـن , و أتــذوّقـه

مـن عـلـى شـفـتـيـهـا .

هـذا الـوطـن لـيـس رائـعـاً عـلـى الإطــلاق .

هـذا الـوطـن هـو هـذه الـوجـوه الـبـائـسـة الـتـي أراهـا الاّن أمـامـي

عـلـى الـشـاشـة , و مـا أنـا سـوى شـخـص غـريـب الأطـوار , اخـتـار

الـلـجـوء الـعـاطـفـي , إلـى الـمـكـان الـخـاطـئ و فـي الـزمـان الـخـاطـئ .

هـذا الـوطـن لـم أخـتـره , لا ســرّاً و لا عـلانـيــّـة , بـل كـرهـاً و غـصـبـاً

هـذا الـوطـن الـلـعـيـن , لا يـلـيـق بـي و لا بـاّدمـيـتـي و أنـا أعـتـذر مـن

مـارسـيـل الـحـبـيـب , و مـن كـلّ الأغـانـي الـتـي اقـتـرفـتـهـا فـي زمـان

مـضـى , و أعـتـذر مـن كـل الـشـفـاه الـتـي قـطـفـتـهـا بـاسـم الـوطـن .

أعـتـذر مـن صـوتـي و مـن كـل الأعـلام الـتـي رفـعـتـهـا , و لـم أكـن

أعـرف أنـهـا مـصـنـوعـة فـي مـعـامـل الـزعـيـم , لا فـي مـصـانـع

الـوطـن .

الـصـورة الاّن , لـرجـل فـي بـدايـة الـعـقـد الـسـابـع مـن عـمـره , يـصـعـد

نـحـو الـسـمـاء , يـبـدو أجـمـل مـن أيّ وقـت مـضـى , سـيـجـارتـه لا زالـت

مـشـتـعـلـة , و ســُـعـالـه الـمـتـلاحـق لا زال مـسـمـوعـاً , إنــّـه مـحـمـّـد

الـمـاغــوط , يـنـظـر إلـيّ و يـبـتـسـم ابـتـسـامـة سـاخـرة , خــُـيــّـل إلـيّ

أنـه سـيـخـبـرنـي بـقـراره الأخـيـر و يقول لـي : ( ســأخـون وطـنـي ) .

لـكـنّ الـمـاغـوط ألـقـى عـلـيّ تـمـيـمـتـه :

اّه ٍ لـو يـتـمّ تـبـادل الأوطـان .. كـالـراقـصـات فـي الـمـلـهـى .

أرى الـمـاغـوط سـعـيـداً بـهـذا الـرحـيـل , كـمـن أتــمّ صـفـقـة تـبـادل

نــاجـحـة , و أجـلـس أنـا هـنـا وحـيـداً , كـل مـا أحـلـم بـه , هـو بـرمـيـل

كـبـيـر مـن الـعـرق الـزحـلاوي , لأغـطـس فـيـه , و أغــبّ مـنـه , لا

لأشــرب ــ كـاسـك يـا وطـن ــ بـل لأســكـر مـثـلـك يـا وطـن , و أمـحـو

هـذه الـذاكـرة الـتـي تـشـبـهـك , هـذه الـذاكـرة الـتـي تـشـبـه تـلـك

الـوجـوه الـبـائـسـة الــتـي رأيـتـهـا قـبـل قـلـيـل عـلـى الـشـاشـة .

ســيــّـد مـكـاوي يـقـتـحـم الـمـشـهـد الأخـيـر رغـمـاً عـن أنـفـي .

و يـغـنــّـي بـصـوتـه الـجـمـيـل :

الأرض بـتـتـكـلــّـم عـربـي تـقـول الله

إنّ الـفـجـر لـمـن صــلاّه .

حــلّ عــنــّي يـا شـيـخ سـيــّـد , أبـوس إيــدك .

لا أنــت و لا طـه حـسـيـن و لا الـمـعـرّي , بـاسـتـطـاعـتـكـم أن

تـروا مـا رأيـتـه و أراه أنـا . ولا يـزعـجـكـم الاّن صـراخ
الـصـمـت

عـلـى هـذه الأرض الـبـكـمـاء . كـمـا يـفـعـل بـي .



جــو غـانـم

الأحد، 28 ديسمبر 2008

لـعـنـة الـدم و الـدمـوع




اعـذرونـي , لم أعـد أفـهـم و لا أطـيـق هـذه الـدمـوع الـتـي نـذرفـهـا

عـلـى شـهـداء غــزّة , دمـوعـي و دمـوعـكـم و دمـوع هـذه القبائل

العربية الـتـي تـشـاهـد الـفـيـلـم ذاتــه مـنـذ أكـثـر مـن ســتـــّـيـن عـاماً

و لا زالــت تــبـكـي عـنـد الـمـشـهـد الأخـيـر , دون أن تـتـحـرّك لـمـرّة

واحــدة و تـحـاول تـغـيـيـر سـيـنـاريـو الـفـيـلـم أو تـغـيـيـر حـبـكـتـه

لـتـصـل إلـى نـهـايـة مـخـتـلـفـة قـد تـجـد فـيـهـا سـبـيـلاً لابـتـسـامـة .

يــا لـهـذا الـمـشـاهـد كـم هـو أحـمـق و أبـلـه , و يـا لـهـذا الـفـيـلـم

كـم هـو عـار عـلـى الإنـسـانـيــّـة مـنـذ اّدم حـتـى نـهـايـة الـكـون .

لـم أقـرأ فـي كـتـب الـتـاريـخ عـن أمــّة تــسـتـكين أمام خنجر قاتـلها

كـهـذه الأمــّـة , ولا أمــة تـعـشـق الـرثــاء و الـبـكـاء كـهـذه الأمــّـة .

أمــّـة ســُــمـيــّـت فـي زمـان مـضـى .. أمــّـة السيف و الـقـلـم .

أمــّـة أصـبـحـت دمـاء أبـنـائـهـا ورقــة انــتـخـابـيــّـة فـي يــد

كــل ديــّــوس و مـجـرم . يــأتــي جـورج بــوش لـيـقـتـلـنـا كـي

يـكـسـب أصــوات شـعـبـه فـي الإنـتـخـابـات و يـنـجـح لـولايــة

جــديـدة , و يــأتــي كـلّ صـهـيـونــي أفــّـاق دجــّـال مـجـرم

لـيـسـفـك دمـائـنـا كـي يـكـسـب أصــوات شـعـبـه فـي الإنـتـخـابات .

و يـخـتـلـف الـعـرب إن كـانـت حـمـاس عـلـى حـقّ أو فـتـح عـلـى

حــقّ . و يــنـسـون أنـه قـبـل وجـود فـتـح و حـمـاس و بـعـد وجود

فـتـح و حـمـاس , لا زلـنـا دمـاءً انـتـخـابـيــّـة عـنـد شـعـوب يـبـدو

أنــهـا تـعـشـق مـنـظـر دمـائـنـا عـلـى الإسفلت, و يـخـرج بـيـنـنـا

مـن يـعـقـد صـداقات مـع الـذئـب الـجـائـع . ذاك الـذئـب الـذي لا يـرى

فـيـنـا سـوى طـريـدة حـيــّـة فـي كـلّ زمـان و مـكـان , أكـان أمـريكيّاً

أم صـهـيـونـيـّـا . و يـخـرج وزيـر خـارجـيـة دولـة عـربـيـة لـيـقـول

بـأنـنـا ألـمـحـنـا لـلـفـلـسـطـيـنـيـيـن بـعـد اّخـر " سـكـرة " مـع أسيادنا

الصهاينة بـأنـهـم قـد يـذبـحـوكم غـداً فــجـهــّـزوا أكــفـانـكـم . و مـا

عـلـى الـرسـول سـوى الـتـلـمـيـح , و لـو كـان وزيـر الـخـارجـيـة هـذا

هـو و حـكـومـتـه يـأتـون عـن طـريـق انـتـخـابـات , لـمـا طـلـبـنـا مـنـه

أن يـذهـب لـيـذبـح قـطـيـع مـن الـغـنـم نـاهـيـك عـن شـعـب أعـزل , نـظـيـر

إعـطـاءه أصـواتـنـا , لـكـن هـذا الـوزيـر يـعـرف جـيـداً أنّ انـتـخـابـات

أسـيـاده يـجـب أن تـمـرّ وسـط دمـائـنـا , أمـّـا هـو , فـيـصـبـح وزيـراً

بالـطـريـقـة نـفـسـهـا و عـلـى حـسـاب دمـائـنـا أيـضـاً لـكـن عـن طـريق

انـتـخـابـات شـعـوب أخـرى , فـهـو و أمـثـالـه ,, الـنـاطـقـون بـاسـم

الـوحـش , إن نـجـح الـوحـش فـي بـلاده فـهـم نـاجـحـون فـي بـلادنـا

فـشـعـوبـنـا لا تـمـلـك سـوى الـدمـوع و الـرثـاء , وهـي أدوات لا تـقـتـرع

و لا تــنـتــخـب . بـل تــنــتــحـب فـقـط . نـحـن شـعـوب " الإنـتـحـابـات "

قـبـل و بـعـد كـل " انـتـخـابـات " فـي بـلاد الـوحـش .

الـذي قـتـل و يـقـتـل الـفـلـسـطـيـنـيـن , هــم نـحـن . نـحـن الـخـانـعـون

الـسـاكـتـون . نـحـن عـنـاصـر الـفـيـلـم , و نـحـن الـمـشـاهـدون , ونـحـن

الـذيـن لـم نـتـسـلــّـح لا بـالـعـلـم و لا بالــبـنـدقـيــّـة . و لا بالإرادة الـتـي

تــخــوّلـنـا وضـع الـمـخـرز فـي أعـيـن هــؤلاء الـعـمـلاء الـصـغـار

الـمـتـفـرعـنـيـن عـلـيـنـا , الأذلاّء أمـام قـاتـلـيـنـا , هـؤلاء الأقـزام الـذيـن

لـو كـانـوا فـي أمــّـة تـحـتـرم نـفـسـهـا , لـمـا تـمـكـنـّـوا مـن قـيـادة

بـاص نـقـل عـمـومـي نـاهـيـك عـن قـيـادة شـعـب ,هـؤلاء الذين يـأخـذون

بـيـد " لـيـفـنـي " كـي لا تـتـعــثــّـر عـلـى الـدرج و كـي لا تـتـلـعـثـم

و هـي تــصــدر الأوامـر بــذبـحـنـا كـالـنـعـاج . هـؤلاء الـعـبـيـد الـذيـن

تــوّجـوا أنـفـسـهـم مـلـوكـاً عـلـيـنا لأنـنـا أكـثـر عـبـوديــّـة مـنـهـم .

لا زلـنـا نـسـأل إن كـانـت حـمـاس عـلـى حـق أو إن كـانـت فـتـح هـي

الـشرعـيــّـة , لـيـس هـنـاك شـرعـيــّـة دســتـوريـّـة أمـام وحــش .

فـالـوحـش لا يــُـواجـه سـوى بالـبـنـدقـيــّـة . وهـذا الـوحـش الصهيوني

هـو أقــذر وحـش عـرفـه الـتـاريـخ , لـيـس هـنـالـك مـا هـو أقـذر مـنـه

سـوى الـسـاكـتـيـن عـنـه , و الـذيـن يـسـتـقـبـلـونـه فـي قـصـورهـم

كـضـيـف عـزيـز , و أخـيـراً , نـحـن الـسـاكـتـون عـن هـذا الـوحـش

و أتـبـاعـه و أصـدقـاءه و كـلابـه .

كـفـانــا بـكـاءً و لـنـبـدأ الـعـمـل , إنّ الـحـقـوق لا يـعـيـدهـا و لا

يـحـفـظـهـا الـبـاكــون , و إلاّ لـكـانــت دمـوع الـسـنـيـورة حـرّرت

الـجـنـوب و أعـادت لأطـفـال قـانـا و مـروحـيـن أرواحـهـم الـتـي زهـقـت .

و الـعـمـل لا يـكـون فـقـط فـي غــزّة , لا أحـد يـطـلـب مـنــّـا الـذهـاب

إلـى غـزّة لـلـقـتـال بـدل الـفـلـسـطـيـنـيـيـن , مـا مـن شـعـب عـلـى هـذه

الأرض أظـهـر قـدرة عـلـى الـبـقـاء و الـقـتـال كـالـفـلـسـطـيـنـيـيـن . هـذا

الـشـعـب الـذي لا يـمـكـن إفـنـاءه و لا الـقـضـاء عـلـيـه , فـقـد اسـتـطـاع

الأمـريـكـيـون إفــنـاء عـرق بـأكـمـلـه , جـنـس بـشـري مـكـوّن مـن مـئـات

مـلايـيـن الـهـنـود الـحـمـر , اخــفــتـه الـديـمـقـراطـيـّـة الأمـريـكـيـّـة عـن

وجـه الأرض , واسـتـطـاعـت نـفـس الـديـمـقـراطـيـة إبـادة حـضـارة العراق

و قـتـل و تـشـريـد الـمـلايـيـن مـن هـذا الـشـعـب , لـكـن أعـتـى و أقـذر

قــوة عـنـصـريـة عـرفــهـا الـتـاريـخ , و بـمـسـاعـدة أكـثـر ديـمـقـراطيـّات

الـدنـيـا إجـرامـاُ , ومـن ثــمّ بـمـسـاعـدة أعـراب اّخـر الـزمـان , لـم يستطيعوا

جـمـيـعـاً إفـنـاء بـضـعـة مـلايـيـن بـقـوا داخـل فـلـسـطـيـن , و قـد فـتـكـوا

بـهـم بـمـجـازر فـاق عـددها كـل الـمـجـازر الـتـي عـرفـتـهـا الـبـشـريـة .

إنّ الـعـمـل يـبـدأ مـن حـيـث نـحـن . اّن لـنـا أن نـرفـع الـقـبـضـة فـي وجـه

هـذه الأنـظـمـة الـصــدأة , تـمـاثـيـل الـشـمـع الـتـي " لا تـهـشّ و لا تـنـشّ "

و الـتـي تـقـتـلـنـا بـيـدهـا أو بـيـد إيـهـود أو بـيـد جـورج أو حـتـى بـيـد

مـمـدوح اسـمـاعـيـل .





جـو غـانـم




ــ نــُـشـر فـي صـحـيـفـة " شـام بـرس "

الجمعة، 26 ديسمبر 2008

عــيــد مــعــتــــّـق

فــي نــاس بـيـقــولـــوا مــَــرَقْ

و نــاس بـيـقــــولـــوا انــْــسـَـرقْ

و نــاس شــافــوه الـصـبــح

راكــب ْ عَ طــيـــّـــارة ورقْ

قــولــوا لــْــحــَــدا يــهــزّ الـــدّنـــي

يـــفــرفـــِــط عــْـنــاقـيــد الــســنــِــة ْ

تـا اعــصــر لــحـالــي عــيــد

و عـــَــتـــّــقـــُـه كــاس نــبــيــد

أو اعــمــلــُـه بــطــحــــة عـــَــرق .



جــو غـانـم

الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008

قـنـاديــل حـمـدي قـنـديــل



فـي سـنـة 1963 قـدّم الـرحـابـنـة مـسـرحـيـتـهـم الـرائـعـة ( الـليل و الـقـنديـل )

لـلـمـرّة الأولــى عـلـى مـسـرح كـازيـنـو لـبـنـان , و كـعـادتـهـم , الـرحـابـنـة

يــؤرّخــون لـمـسـتـقـبـلٍ اّت ٍ , يـقـصــّـون حـكـايـاتـنـا الـقـادمـة .حـتـى حـيـن

يـغـوصـون فـي الـمـاضـي الـسـحـيـق , يـعـودون لـنـا بـمـرايـا عـتـيـقــة

و أصيلة . تــُـريــنـا حـاضـرنـا و مـسـتـقــبلـنـا بـوضـوح لـم نــره مـن قـبـل .

حـيـن قـرأت خـبـر تـوقــّـف بـرنـامـج الإعلامي الكبير حـمـدي قـنـديـل " قلم

رصاص " الــذي يـقــدّمـه عـلـى قـنـاة دبـي , تــذكــّرت قــنديــل " مــنــدورة "

( فـيـروز ) في تـلـك الـمـسـرحـيــّـة , والــذي عـلــّـقــتـه عـلى مـفرق الـضـيعـة

كـي يــُـضـيء لـيـلـهـا ويـكـشـف كـل حـرامـي يـريـد اقـتـحـام هـذه الـقـريـة تحت

جنح الظلام ليسرق كـيـس الـغـلــّـة الـمـوجـود فـي خـيـمـة مـنـدورة .

" هـولـو " ورفـيـقـه " خـاطـر " ســارقــان , الـعـتـم هــو ولــيّ نـعـمـتـهـمـا

وهـو حارسهـما الأمـيـن , وذاك الـقـنـديل الـكـبـيـر الـذي يـضـيء دروب الـقـريـة

هـو ألــدّ أعـدائـهـمـا . لــذلــك يـحـاولان إقــنـاع مـنـدورة بالــتـخـلــّـي عـن فــكـرة

الـقـنـديـل الـكـبـيـر . كـي يـســـتـطـيـعـا كـسـب عـيـشـهـمـا فـي ظـلام الـلـيـل .

و حـيـن تــرفــض مـنـدورة يــهــدّدان بـكـسـر ذلــك الــقــنــديـــل .

و رغــم أنّ " هــولــو " اســتـطـاع الإنــتـقـام مـن مـنـدورة و ســرق كـيـس

الـغـلــّـة مـن خـيـمـتـهـا , و الـذي يـحـتـوي عـلـى ثـمـرة تـعـب كـل أهـل القرية

البسطاء لـمـوسم كـامـل , مـا جـعـل مـنـدورة تـشـعـر بـحـرج كـبـيـر و تــقــرّر

الـرحـيـل عـن الـقـريـة . إلاّ أنّ الــنــور انــتـصـر فـي الـنهايـة , وعادت مـنـدورة

مـعـزّزة مـكـرّمـة , و عـادت الــقــنـاديــل لــتـضـيء لـيـل الــقـريــة الـبـعـيـدة .

هــذه لـيـسـت الـمـرّة الأولــى الـتـي يــُـكـسـر فـيـهـا قـنـديــل حـمـدي , و لـن

تـكون الأخـيـرة , لكنّ حـمـدي ورفـاقـه الـقلائـل , وتـلامـذتـه الـكـثـر سـيعـودون

دائـمـاً لـمـواجـهـة هـذا الـلـيـل , بـقـنـاديـلـهـم الـتـي تـــُــخــيـف أبــنـاء الـعـتـمـة

حــتـى لــو اســتـطـاع ( هـولـو ) لـمـرّة و مـرّات , كـسـر الـقـنـديـل و ســرقــة

الـغـلــّـة . و مـهـمـا اشــتــد عــتـم هــذا الـلـيـل و ســتــر أخـوة هــولـو تـحـت

عـبـائـتـه , سـيـبـقى هــنـاك مـن يــضــيء الـقـنـاديـل ويـعـلـّــقـها عـلى شـرفـات

عـقـول وقـلـوب الـبـسـطـاء و الـمـظـلومـيـن , و ســيـتـعـلــّـم الــنـاس مـن نــور

قــنـاديـل حـمـدي ورفـاقــه , كـيـف يــواجـهـون الـلـيـل مـهـمـا اشــتـدّت حـلـكـة

ظــلامــه . و ســيــغــنـــّـون مـع مـنـدورة :


عــَــتـــّــم يــا لـيــل

عــَـتــــّـم أكـــتــــر

خــلــّــي قــنــاديــلــنــا

تــضـــوّي أكـــتــــر




حـــنـــّـا الــســكــران
نــُـشــر هـذا الـمـقـال فـي صـحـيـفـة شـام بـرس


الأحد، 21 ديسمبر 2008

مـزامـيـر حـنــّا الـسـكـران 8



هــذه الـحـمـّى الـلـعـيـنـة الــتـي تـعـبـث بـطـقـس جــسـد حـنــّـا

و الـتـي جـاءت إثـر انـفـلـونـزا قـويــّـة .. تــُـزعـج حـنــّـا كثيراً

و تــجـعـلـه يـهـذي مـعـظـم الـوقـت , و إن غـفـى قـلـيـلاً تـأتـيـه

بـكـوابـيـس لا تـنـتـهـي .. كـوابـيـس عـلـى شـكـل وجـوه و أسـمـاء

و أحـيـانـاً خـطـابـات ثــوريــّـة .. فـلـم يـكـد حـنــّـا يـغـفـو بـعـد ظهر

البارحـة حـتـى فـاجـئـه صـوت نـايـلـة مـعـوّض تـهـتـف لـلـحـريــّـة

و تــعــِــد حـنـــّـا بـمـسـتـقـبـل لـم يـحـلـم بـه جـدّ جـدّه . فـأفـاق

حــنــّـا مـذعـوراً , ولا زال حـتـى هـذه الـلـحـظة يـعـجـز عـن الـنـوم .

الاّن فـقـط عـرف حــنـــّـا وجـه الـشـبـه بـيـن الـحـمـّـى و بـيـن الحكومات

العربية و السياسـيـيـن الـعـرب .. كـلاهـمـا يــُـسـبـّـب لـرجـل مـثـل حـنـّـا

هـذيـانـاً لا يــنـتـهـي .

يــتــسـائـل حــنــّـا :

أيـكـون هـؤلاء السياسـيـون الـعـرب هـم نــتـاج أنـفـلـونــزا أصـابـت الـتـاريخ

و لـم يـذهـب أثــرهـا بـعـد ؟ أم هـم أعـراض مــزمـنــة لـحـمـّـى أصـابـت

الـشـعـوب الـعـربـيـة , و حـرمـتـهـم الـقـدرة عـلـى الـنـوم بشكـل طـبـيـعـي

و مــن ثــمّ الـقـدرة عـلـى الـحـلم ؟ أو " زغـلـلـت " عـيـونـهـم و حـرمـتـهـم

رؤيــة أيّ شــيء بــوضــوح كـمـا يـنـبـغـي ؟

يــبـدو حــنــّـا و كـأنــّـه اســتـنـتـج أمــراً مـهـماً , إنــّـه يــبـتـسـم

الاّن , و كــأنـــّـه اســتــطـاع خــداع هــذه الـحـمـّى لـلـحـظـات و قـبـض

عـلـى نـاصـيـة عـقـلـه .

يــتــنـاول حــنـــّـا عـلـبـة الــدواء الـحـاضـرة أمـامـه مـنـذ أيـام , يـنـظـر

إلـيـهـا جـيـداً .. و يــســرح بـعـيـداً ..

مـاذا لــو اكـتـشـف عـربـيّ مـا , دواء لـحـمـّـى هـذا الـشعـب , يــُـبـطـل

الــهــذيــان , و يــسـاعـد عـلـى الـتـركـيـز , و عـلـى الـحـلـم بـهـدوء

بـعـيـداً عـن تـلـك الـكـوابـيـس الـتـي تــبــدأ بـرغـيـف الـخـبـز , و لا تـنـتـهي

عـنـد صـدى صـوت نـايـلـة مـعـوّض الـذي يـعـد بـحـريــّـة مـحـمـومـة ؟؟

تــرتــفـع حـرارة حــنــّـا مـن جـديـد فـجـأة .. و يـبـدو أنــّـه سـيـعـاود

الـهـذيـان قـبـل أن يـعـرف جـوابـاً لـسـؤالـه .. يـســنــد حــنــّـا رأسـه إلـى

الـخـلـف .. و يــغــمــض عــيـنـيـه .. و يــُـخــيــّـل لـه أنــه يــرى شـاشـة

تـلـفـاز عـمـلاقـة , تـابـعـة لـجـامـعـة الـدول الـعـربـيــّـة , تــعـرض الـفـيـلـم

الـمـصـري الـقـديـم : ( أرجـوك لا تــأخــذ هــذا الـدواء ) .



حــنـــّـا الــســكــران
ــ نــُـشـر فـي شــام بـرس

السبت، 20 ديسمبر 2008

فــشـــّـة خــلــق

يــا طـيــر يـا عـالـي بالـســمــا

طـــزّ فــيــكْ

مـا تـفـتـكـرش ربــنــا

مـصـطـفـيــكْ

بــرضــك بـتـاكـل دود

و لـلـطـيـن تـعــــود

تــمـصّ فـيـه يـا حـلــو

و يـمـصّ فــيــكْ


و عـجـبــي


من رباعـيــّـات الـراحــل الـكـبـيـر

صـلاح جـاهـيـن



...........................................



يـا طـيـر يـا عــالــي بالـسـمـا

مــا فــي حــَـدَا ســـَـمــّــاكْ

عَ اســم جـــدّك

أو اســم عــَـمــّـكْ

و لا فـي حــدا

شــبـْـر بــْ نـــدر ربـــّــاكْ

يــقــلــق عــلــيــــك

يــضــمــّــكْ مـن الــخــوف , و يـــشــمـــّـــكْ

بـــتـــولــَـــع حــروب

بــتــنــهــدم بـــلــدان

مــش فــارقــــة عــنـــدَكْ

ولا هــَـَـمــّــكْ

بــتــحــمــُــل بــهــالـمـنــقـــار

شـــي قــشـــتـــّــيـن صــغــار

و مـطــرح مـا انــتَ بـتـشــتـهـي و تــخــتــار

بــتــبـنـي عَ قـــَـدّكْ بـيــتْ بـيـضــمــّــكْ

لا عـنـدك حـــكــومــــِــة ْ

تــرفــــَــع بـســـعــر الــدود

و لا بـــِـوجـهــك قـــَــفـــّـَـلــوا الــحــدود

و لا حــاكــمــوكْ بــتــهـمــة الــتـغـريــد

و الــزقــزقــة , و لا سـَــكــّـروا تــمــّـــكْ

لا بــتــســمـــَــع الأخــبــار

و لا شــو جــرى و شــو صــار

و شــو كــَـذ ّبــوا و شــو عــَـلــّـَــكــوا

و طــَـقــّـوا حــَـنــَــكْ , ثــــوّار

أربــع طـعــش اّذار

و لا بـيـحــتــرقْ دمـــّـــكْ

يــا طــيــر يــا عـالــي بـالــســمــا

تــمــنــّــيــتْ حــالــي طـــَــيــــر

مــنْ غــيــرتــــي مـــنــــّــك

و مـشْ طــز ّ فــيــك يــا طــيــــر

طـــز فــيـــّـي أنـــا

و انــــتَ شـــو هـــَـمـــّــكْ

يــا .... كـــسّ أمـــّـــــكْ


من خـمـس طـعـشـيـّات : حــنـــّـا السكران
* * * *



الثلاثاء، 16 ديسمبر 2008

رحلة البحث عن الـطائـفـة

يـبـدو أني كنت متفائلاً حـدّ الغباء , حين كتبت البارحة أنّ الناس

ستبدأ " بعد أيام " بالسؤال عـمـّا إذا كان الصحفي العراقي منتظر

الزيدي شيعيّاً أم سنيـّاً . لأني اكتشفت اليوم أنّ الناس بدأت بالتقـصـّي

عن الأمر قـبـل أن يستـقـر حذاء الأخ الزيدي على الأرض .

معظم الواصلين إلى مدونتي عن طريق محرّك البحث " جوجول "

كتبوا هذه الجملة أو مرادف لها " هل الصحفي منتظر الزيدي شيعي " .

و حين تبعت إحدى نتائج البحث التي حصل عليها أحد المجاهدين الذين

وصلوا إلى هنا .. وجدت العجب . و طبعاً يستطيع أيّ منكم أن يصل لنفس

النتائج بكتابة الجملة السابقة ..

لا أريـد أن أعـيـد هنا نشر بعض العجائب التي وجدتها .. لأن شعوراً بالقرف

لا يمكن وصفه .. يعتريني الان ..

لكن فقط أريد أن أقول لكل من سيصل إلى هنا و هو يبحث عن المجد الطائفي

من خلال حذاء الأخ الكريم منتظر الزيدي .. أني أدرك يوماًُ بعد يوم , لماذا

يـكـثـر عـدد الملحديـن بين الشباب العرب .. و لماذا ينتشر و يتزايد هذا

الشعور بالرعب بين الكثير من الشباب العرب تجاه الدين و المتدينين .

و أيضاً .. فهمت لماذا كان موسى عليه السلام و هو نبي مختار من الله .

يصل إلى تلك المراحل من الغضب من بني اسرائيل . و يكاد لا يستطيع

احتمال البقاء بينهم لحظة واحدة أو النظر في وجوههم , و هو نبي .

أخـيـراً .. منتظر الزيدي يساري شيوعي .. يعني ماركس يكسب .

الطائفة الماركسية الكريمة تـكـسـب .

لا عـزاء للمجاهدين الطائفيين في كل طوائف العرب المجيدة .

عليكم انتظار حذاء اّخـر .. و أرجو أن يرتطم بــرؤوسكم في المرة

القادمة , قبل أن يصل إلى رأس بوش و أمثاله . لأنكم أسوأ من بوش

بكثير .. لديكم قدرة عجيبة على تسـفـيـه كل شيء . و على تفريغ كلّ

قيمة من معناها .. كل شيء يجب تجـيـيـره طائفياً . أكان أمراً جميلاً

أم قبيحاً .


أرجوكم أخبروني عـن تـلـك المـتـعــة التي تـشعـرون بهـا و أنـتـم

تفعلون ذلك .. عن تلك الـلـذة الإيمانية الغريبة التي تصلون إليها حين


تفعلون ذلك .. لأني عاجز تماماً عن إدراك حـقـيـقـة هذا الشعور .

على فكرة ما الطريقة لطلب الغفران لكل من عاش قبل نزول الديانات العربية

الجديدة ( الطـوائـف و المذاهب ) ؟؟؟ سواء كانوا أنبياء أم قديسين أم صحابة ؟

لا بدّ أن هؤلاء سيـُحاسبون حسابـاً ً عسيراً لأنهم لم يبلغوا مجد الإنتماء

لهذه الطوائف المقدّسة . لا بـدّ أن إيـمانهم كان نـاقــصاُ . و هــم الاّن

بـأمسّ الحاجة لدعواتكم فـلا تبخـلوا عليهم .


دعـكـم مـن حـذاء الـزيـدي الاّن .

فـذاك الـحـذاء لـم يـكـن طـائـفـيـّـاً .

..............

فـش خـلـقـك هـون





الاثنين، 15 ديسمبر 2008

بخصوص " موقعة الحذاء "

لا أريـد الـتـقـلـيـل مـن أهـمـيـة " مـوقـعـة الـحـذاء " الشهيرة التي

حدثت في بغداد لـيـلــة الـبـارحـة و الـتـي كـان أبـطـالـهـا صحفي عراقي

و زوجين من الأحـذيـة .. الـزوج الأول يـخـصّ الصحفي نفسه أما زوج

الأحذية الثاني , فهما الرئيس الأمريكي جورج بوش ( فردة يمين ) و رئيس

الوزراء العراقي نوري المالكي ( فـردة شمال ) .

و مع أنّ هـذا المشهد هو من أجمل المشاهد التي رأيتها هذه السـنـة . إلاّ

أني أستغرب جدا تـحـويـل الحادثة إلى ما يشبه حربـاً انـتـصر فيها العرب

على الفرنـجـة .

الـحـديث عـن الأمـر على هذا الـنـحـو , إن دلّ عـلـى شيء , فـهـو يـدلّ

إلى أيّ درجـة نـحـن مـهـزومـون مـن الـداخـل . و نـنـتـظـر أي شــيء

يـُـشـعـرنـا بـوجـودنـا و تـأثـيـرنـا على هذه الأرض حـتـى لو كان من

خـلال حـذاء صحفي شريف و جريء كـمـنـتـظـر الـزيـدي رضي الله عنه .

مـنـتـظـر الزيدي شاب عراقي مثقف و يساري ( حسب مديره الأستاذ عبد

الحسين شعبان ) تـعـرّض السنة الماضية للخطف و الإهانة و التعذيب

بعد أن رأى بلده يعود إلى ما قبل التاريخ على يد جورج بوش و أعوان

جورج بوش و المتطرفين الذين أصبح العراق مرتـعـاً لهم بسبب بوش

و أتباع بوش . و سنحت الفرصة للزيدي أخيراً لـكـي يـعـبـّـر عن موقفه

من كل هـذا .. و بالطريقة التي استطاع إليها سبيلاً . و خـلـع نعليه و رشق

بهما بوش وجهاً لوجه .

الحقيقة , أنا لا أستطيع وصف سعادتي برؤية المشهد .. لـعـدة أسباب

أولها أن بوش يستحق أن يــُضرب بكل الأحذية التي ينتعلها البشر

و ثانيها أنّ الحادثة جاءت بهذه الطرافة الـتـي ســتـجـعـل التاريخ يتحدث

عن حـذاء منتظر الزيدي كلما تـحـدّث عن جـورج بوش . و ارتـبـاط ذكر

بوش بهذا الحذاء أمـر يستحقه هذا السفـّاح بجدارة . أما السبب الأخير


فـيـتـعـلــّـق بتلك الجملة الشهيرة التي قالها بوش و أتباعه في بداية الغزو

والتي تقول أن الشعب العراقي سيستقبل الجيش الأمريكي بالورود . وأخيراً

جـاء شاب عراقي شجاع ليقول لجورج بوش أنّ العراقيين سيودّعونه

بالأحـذيـة .. أي أن رمـزيـّـة الأمـر , رائـعـة هـنـا .

أمـّا أن نـحـتـفـل بـهـذا الأمـر عـلـى أنـه اّخـر انـتـصـاراتـنـا عـلـى الإستعمار

فـهـذا أمـر خـطـيـر . و غير طـبـيـعـي .

فـي سنة 1960 خـلـع الرئيس الـسـوفـيـاتـي الشهير " نـيـكـيـتـا خروتشوف "

حـذاءه في اجـتـمـاع الجمعية العمومية لمجلس الأمن و لـوّح بـه أمام المندوب

الأمريكي و مـن معه . ثـم وضـعـه عـلـى الطاولة أمـامـه و كـان يـريـد أن

يقول لـهـؤلاء ( تـكـلـّـمـوا مـع حـذائـي ) . و دخـل حـذاء خروتشوف التاريخ

لـكـنـه لـم يــُـغـيـّـر شـيـئـاً في هذا التاريخ . و لا أحـد تــذكـّــر حـذاء

خروتشوف سنة تسعين حين سقط الإتحاد السوفياتي .

مـا كـنـت أتـمـنـاه بالفعل ليلة البارحة , هـو أن تـصـيـب إحـدى فـردتي حـذاء

منتظر الزيدي , وجـه الـمـالـكـي قبل بوش . لأن جورج بوش جاء في مهمة

إلى العراق قبل سنوات . و قـد أتـمـّـهـا تماماً .. و حـذاء الـزيـدي ( على

أهمية رمـزيـة الحادثة ) لن يـغـيـّـر في الأمر شيئاً . فـإن كـان ما فعله

ذاك الشاب العراقي الجريء هـو أمـرٌ يـفـرحـنـا حـقــّـاً . فـعـلـى الأقــّـل

يـجـب أن نـفـعـل شيئاً وأن نـحـتـجّ بـأي طريقة كانت ( و لا بأس بطريقة

الزيدي ) ضـدّ أولئك الـذين يحكموننا و الذي يـصـرّون على وداع جورج

بوش ( و هناك لقاءات وداعية قادمة ) و الـذين لولاهم لما استطاع بوش

أن يـأتي إلى منطقتنا و أن يـدعـس عـلـى رقـابـنـا هـو و نـصـف مليون

جندي أمريكي . دون أن يـخـلـعـوا أحـذيـتـهـم .

إن كـنــّـا نـرى في حذاء الزيدي نصراً .. فـيـجـب أن نـحـذو حـذوه و نـرفع

أحـذيـتـنـا جـمـيـعـاً في وجـه أزلام بـوش في المنطقة . و جعلهم يخافون من

كل عربي يـنـتـعـل حـذاء . أكـان صحفياً أم مواطنا يخرج في مظاهرة . إن

لم يستطع الوصول إلى قصر الحاكم . فعلى الأقل أن يـراه الحاكم على الشاشة

كيف يضرب صورته بالحذاء . فصورة الحاكم في بلادنا مـقـدّسة كالحاكم

نفسه . و لـتـنـدلـع " ثـورة الأحـذيـة " . عـنـدهـا فـقـط يمكن للزيدي

أن يشعر بالتضامن معه و بأنه فعل شيئاً حقيقياً , أكثر من مجرّد التعبير

عن الرأي أو عن الغضب .

الـزيـدي فـعـل مـا اسـتـطـاع . و علينا أن نفعل ما نستطيع , إلاّ إذا كـنـّـا

لا نستطيع شيئا سوى الإحتفال .

حسناً .. كـاسـكـم .. و كـاس حـذاء مـنـتـظـر .

..........................

ــ مـلاحـظـة : بـعـد أيام و بعد أن تـذهـب السكرة و تـأتي الفكرة ستبدأ

الأسئلة ما إذا كان الـزيـدي شـيـعـيــّـاً أم سـنـيـّـاً .. عندها فقط ستبدأ

الحفلة العربية الحقيقية على منتديات الأنترنت .

سترون أي كارثـة تلبسنا من رؤوسنا حتى أخمص " أحـذيـتـنا " .

ــ ملاحظة أخرى : الصحفيين العراقيين الذين يقول بوش أنهم اعتذروا منه

بعد ( فعلة الزيدي ) لا يساوون برأيي ثمن حـذاء جديد للزيدي الشريف .

كان الأجدى بهم أن يطلبوا محاكمة بوش لأنه تسبـّب مباشرة بقـتل العشرات

من زملائهم الصحفيين في العراق . ناهيك عن مئات ألوف العراقيين .





حـنـّـا السكران .

الأحد، 14 ديسمبر 2008

جـداريـّـات غـريـبـة

دائـمـاً نـقـول أنّ الأنـظـمـة الـعـربـيـة تــُـراهـن في بـقـائـهـا , عـلـى

دعـم الـقـوى الـعـظـمـى , لأنّ هـذه الأنـظمة تــؤمـّـن مـصـالـح تـلـك

الـقـوى .

هـذا الـكـلام فـيـه افـتـراء كـبـيـر على العقل و إن كـان يـبـدو صـحـيـحـاً

فـي الـظـاهـر .

هـذه الأنـظـمـة تــُـراهـن أولاً و أخـيـراً , عـلـى جـهـل و جـبـن و اسـتـسـلام

الـمـواطـن الـعـربـي , و عـلـى ذاكـرتـه الـضـعـيـفـة , و عـشـقـه الأبـديّ

لـلـعـبـوديــّـة و الـخـنـوع .


ــ يـسـتـطـيـع لـبـنـانـي أن يـذهـب إلـى أي بـلـد فـي الـعـالـم , و أن يصبح

في فـتـرة وجـيـزة , عـنـصـراً مـؤثـراً في ذاك الـبـلـد , قـد يصبح رئـيـسـاً

أو نـائـبـاً فـي بـرلـمـان أو حـاكـمـاً لـولايـة أو مـحـافـظـاً لـبـنـك . و أن

يـنـجـح نـجـاحـاً بـاهـراً . لـكـنّ الـلـبـنـانـيـيـن جـمـيـعـاً لـم و لـن يستطيعوا

إنـجـاح لـبـنـان الـوطـن أو الـقـيـامـة بـه . لأنّ كـل لـبـنـانـي هـو زعـيـم قـائم

بـحـدّ ذاتـه . أو مـشـروع زعـيـم .

حـتـى حـيـن يـبـدو لـك أنـه يـتـبـع لـلـزعـيـم الـفـلانـي و يمشي وراءه .

إنــّـه فـي الـحـقـيـقـة .. يــُـؤســّـس لـزعـامـتـه الـشـخـصـيــّـة , لـيـس

أكـثـر .

هـنـاك الـكـثـيـر الـكـثـيـر مـن الـزعـمـاء فـي لـبـنـان .

و الـقـلـيـل .. الـقـلـيـل مـن الـمـواطـنـيـن .

ــ نـحـن لا نــســتـذكـر تـاريـخـنـا كـي نـسـتـفـيـد مـنـه . أو نـأخـذ

منه الـعــِـبــر , ولا حتى كي نـفـخـر بـه كـمـا نـحـاول أن نـُـوهـم أنفسنا

و الاّخـريـن . و لا نـراجعه كـي نـصـحـّـح فـهـمـنـا لـه . نـحـن

نـسـتـرجـعـه كـي نـخـتـلـف عـلـيـه و كـي نـتـبـادل الـشـتـائـم

و كـي نـخـلـق أسـبـاب الـكـره و الـعـداوة فـيما بـيـنـنـا .

هـذا يـنـطـبـق عـلـى تـاريـخـنـا الـديـنـي و الـسـيـاسـي , إذ مـاذا

يـفـيـدنـا الاّن أن نـخـتـلـف و نـتـعـارك حـول مـن كـان أحـقّ بخلافة

الـرسول الكريم محمداً ( ص ) أو اسـتـرجـاع خلافات الكنائس القديمة

و محاولة إثبات صوابيّة مسار هذه الكنيسة أو تلك . إن كـنـّـا الاّن

نـسـتـعـد بـفـرح عـارم أو بـصـمـت مـفـجـع لاسـتـقـبـال زعـامـة

ذلك الشاب الـذي سيخلف أبـاه في حـكـمـنـا . أو السكوت عـلـى

رأس تـلـك الـكـنـيـسـة . الـذي يــُـفـضــّـل أحـد رعاياه على الاّخـر

لأسباب سياسية دنـيـويــّـة . و لا يـفـعـل شـيـئـاً لـجـمـع أبـنـاء الكنيسة

الـواحـدة .

لا يـحـقّ لأمــّـة عـلـى هـذه الأرض , أن تـخـتـلـف عـلـى الـتـاريـخ

أو حـتـى تـفـخـر بـه , حـيـن يـكـون حـاضـرهـا أسـود كـالـلـيـل

الـبـهـيـم , و حـيـن تـرى بـأمّ الـعـيـن , مـسـتـقـبـلاً مـظـلـمـاً يـلـوح

فـي أفـقـهـا . دون أن تـحــرّك سـاكـنـاً .

يـحـقّ لـلـعـالـِـم أن يـفـخـر أنّ جـدّه كـان جـاهـلاً , بـيـنـمـا استطاع

هـو أن يـتـطـور لـيـصـبـح عـالـمـاً و أن يـؤسس لابـنـه أن يـكـون

أعـلـم مـنـه إن أراد .

و لا يـحـقّ لـلـجـاهـل أن يـفـخـر بـأن جـدّه كـان عـالـمـاً , بـيـنـمـا

هـو الاّن أجـحـش مـن حـمـار .



جـو غـانـم


.......................


أحــبّ أن أجـالـس الأغــراب

لأنـهـم يـمـضــون

لا يـتـركــون حــزنــهــم

لا يــوقــظــون جــزراً غـريـقـة ً فـيـنـا

يـمـضـون ألـف سـنــة ٍ

يـمـضـون مـن أيـامـنـا

يـمـضــون .
* * *
مـنـصـور الـرحـبـانـي

فـي

" أنـا الـغـريـب الاّخــر
"

السبت، 13 ديسمبر 2008

دخـان .. و ضـجـر

أنـا أدخـّـن كـثـيـراً هـذه الأيـام

الـسـيـجـارة لا تـفـارق شـفـتـيّ

أنـا لا أحـبّ الـسـجـائـر

لـكـنـي أشـعـر بـحـاجـةٍ دائـمـة ٍ لـهـا .

الـسـجـائـر تــُـشـبـه الـنـســاء

و الـرجـالُ يـُـشـبـهـونَ الــســُـعــال .


............................


أنــت ِ كـالـبـلاد الــتـي تــسـكـنـنـي

و لا أمـلـك شـيـئـاً فـيـهـا .

أنــت الـمـسـافـة الـبـعـيـدة

و الـمـعـنـى الـقـريـب .

..................................


هـل تـشـعـريـن مـثـلـي

بـكــلّ هــذا الـضـجــر ؟

أم أنــّـه وقـع فـي غـرامــك ِ هـو الاّخــر

و جـلـس يـروي لـعـيـنـيـك الـخـضــر

حـكـايـة الأمـيـرة الـنـائـمـة

كـي تــغــفــي فـي حـضـنـه قـلـيـلاً ؟

و تــركَــنــي هــنــا وحـيـداً

و أبـقـى لـي

كــلّ الـحـكـايــات الــمــُـمـلــّــة .




حــنــّـا الـسـكـران

........................





في الحالة السياسية و الإعلامية العربية

يـُـمـكـن أن نـقـسـم جـمـيـعـاً و بـقـلــوب مـطـمـئـنـّـة , أنّ ما من أحد أو

شـيء , أو كـائـن حـيّ أو جـامـد , أو جـمـاعـات مـدنـيـّـة أو قـبـلـيـّـة أو

بـدائـيـّـة , أســوأ و أكـثـر خـزيـاً و عـاراً , مـن الأنظمة العربية .

هـذا صـحـيـح مـبـدئـيـاً .. صحيح بالنسبة للناظر من بعيد و الذي لا يرى

سوى قـمـة الـمـزبـلـة .

لكنه ليس صحيحاً تماماً لمن يراقب المزبلة عن قرب أو يـقـتـرب منها

مـحـاولاً اكـتـشـاف مـاهـيـتـهـا في سبيل الخلاص من رائحتها .

هـنـاك أنـظـمـة عـربـيـة , و هـنـاك نـظـام سياسي عربي عام و شامل . تـُـكوّن

هذه الأنظمة الـركن الأساسي و المهم فيه . أي أنها قمة الـتـلـّـة .

يشمل النظام السياسي العربي بالإضافة إلى هذه الأنظمة , معارضات عربية

و كـتـّـاب يـقـتـاتـون عـلـى مـوائـد السياسة و السياسيين . و صحف و جرائد

و مجلات و قنوات إعلامية ضخمة . كلّ هؤلاء يـمـثــّـلـون المزبلة العربية

التي فاحت رائحتها و غـطـّـت التاريخ و الحاضر و المستقبل . أضف إليهم قاعدة

شعبية تـتـبـع الزعيم و هي مغمضة العينين , و لا يمكن أن تـتجرّأ على سؤاله

لماذا كنت البارحة في أقصى اليسار و اليوم أنت في أقصى اليمين , و لماذا

و كيف أنت إقطاعيّ أو برجوازيّ و تقود حزباً اشتراكياً , أو لماذا تـدّعي

العلمانية وتقود حزباً " للمستقبل " و أنت تـتـحـالف مع منظمات تكفيرية

لا تعرف سوى لغة البندقية و الإلغاء و لا تـقـبـل بأيّ اّخـر , و كيف تدّعي

الوطنية و الإستقلالية في حين كل ما تدعو إليه , يتوافق و يتطابق مع ما

يدعو إليه أعتى عتاة الصهيونية . و أيضاً تـذهـب و تــُـقـلـّـد جون بولتون

وسام الأرز .

و هناك تلك القاعدة التي تهتف بحياة ذاك الصحافي الذي لا يرى الحقيقة

سوى في صورة الدولار أو الدينار أو الريال , و تـعـتـبـره رمـزاً و تحمل

صوره حين يردّ أحد عليه .. و تهتف " كلنا فلان " ,, هـذا صحيح .. كلكم

فلان , بـل أسـوأ من فلان بكثير .

إنّ كـل أو غـالـبـيـة ( الإستقلاليين ) الجدد في لبنان و الذين يحملون أقلاماً

لا تـرقـى لأن تكتب حرفاً واحداً في صحيفة محترمة . هم في الحقيقة من

( فلول ) كل أجهزة الإستخبارات التي عملت و لا تزال تعمل في لبنان .

و البعض منهم كان مـُـخبراً صغيراً يتقاضى أجرته بالليرة اللبنانية أو

بالليرة ( أو الجزمة ) السورية . إلى أن تـدرّجـوا في وضـاعـتـهـم

و وصـلـوا إلـى مـرتـبـة الـقـابض بالدولار و على الدولار أو غيره من

العملات الأغلى .

و هـذا الفريق استطاع أن يجذب أسماء معروفة ,. كانت تنتمي إلـى اليسار

أو إلى اليمين المسيحي أو الإسلامي ( و بـعـضها لا زال ) . لكن البعض

منهم كان واضحاً في إعلان انـحـيـازه لمن يدفع أكثر , على شرط أن تكون

الحرية والسيادة والإستقلال هي العناوين الرئيسية لوصف انحيازه , أما البعض

الاّخر . فإلى جانب اطمئنانه إلى تضخّم حسابه البنكي , فهو يخدم مصالحه

اليمينيّة المتطرفة من خلال تحالفه مع ( الضـدّ ) ,, الضدّ تماماً . فلا يمكن

أن تفهم كيف لصحافي يتبع للقوات اللبنانية أن يقبض من اّل الحريري و أن

يعمل عندهم , أو كيف لداعي الإسلام الشهال , السلفي المتعصّب المتطرف

أن يدافع هو و صولانج الجميّل و مفتي صور السيد علي الأمين ( شيعي )

عن فكرة واحدة , هذا فوق احتمالك عزيزي القارئ إن لم تكن لبنانياً أو

غير مطّلع على سياسة المزابل الوطنية . و قـد تـقـول لـي الاّن أن " بـول

شـاوول " أديب و هـو يكتب و يعمل مع هؤلاء . إنـّـه أديـب يا رجل !!.

و أنا سأصدّقك طبعاً , و سـأصدقك لو قلت لي أن فارس خشّان سيصدر

رواية أدبـيـّة قريباً . و أن أنطوان زهرا سيصدر كتاباً عن الديمقراطية

المزدهرة في الصحاري العربية أو عن أثر رائحة النفط في الحفاظ على

النسيج المسيحي اللبناني الموحّد .

و سـأصدقك لو قلت لي أن حازم صاغيّة سيكتب غداً مـرثـيـّـة في الراحل

" أبـو هـريرة " ــ أحد قادة فتح الإسلام ــ و سيقول فيها أن أبوهريرة

كان رجلاً صالحاً و أن النظام السوري عمل له عملية غسل مخّ ( الإعلام

الإستقلالي التحرري العراقي الجديد فعل هذا الأمر مع مقاتل عربي من تونس

قبضوا عليه و أخرجوه على الشاشة و اّثـار التعذيب واضحة على كل جسده

ليقول أنه لا يعرف ماذا يفعل هنا في الفلوجة و أن المخابرات السورية أجرت

له عملية غسل مخّ , و أنه يمشي بالريموت كونترول ) . لـكـن إيـّـاك أن تقول

لي أن أيّ من هؤلاء لديه أدنى حسّ وطني حقيقي . أو أنه يناضل في سبيل

حرية و استقلال وطنه , أو في سبيل ديمقراطية يتمناها لهذا الشعب .

فهم يدركون جيدا أنه في حال ساد مفهوم الديمقراطية و الحرية و الإستقلالية

في عــقـول أبـنـاء الشعب . فسيكون أول ما يفعله هذا الشعب هو كـنـس

هـذه المـزبـلـة التي يـعمل هؤلاء ليل نهار على تكبـير مساحتها من خلال

نـفـايـات عـقـولـهـم . و نشر رائحتها من خـلال إعـلامهم الـذي لا يراعي

حرمة لوطن و لا لمواطن . و لا يحترم عـقـول البشر و لا غرائز الدواب .

هـؤلاء صـانـعـي الـمـزابـل الـذين شـوّهـوا كـل مفهوم جميل للحرية

و الإستقلال . و جـعـلـوا مـن العملة و العمالة لمن يدفع أكثر . هما المرجع

الأخير لكل إعلامي في هـذا الزمن الـرديء .. الـزمـن الـذي لا يـجـد فيه

كـاتب و محلل و مثقف وطني حرّ و عظيم كـالدكتور أسعد أبو خليل مـنـبـراً

على شاشات وطنه , كـي يـتـعـلـّـم منه هذا الجيل الـذي يكاد يتحوّل إلى قطيع

من الغنم يـنـتـظر التعليمات من أشباه كـتـاب و أشلاء صحفيين وصوليين .

و يسوسه و يسوقه نوع جديد من ( الـقـادة ) الذين يصفون أنفسهم

بالإستقلاليين و يشـتـكون بأن هناك خطراً عليهم . حين يقول وليد جنبلاط

أن النظام السوري ( هو الخطر الأخير و الوحيد على الإستقلاليين في لبنان

و فلسطين ). و عـلـى الأمة أن تـصـدّق أن جنبلاط و محمد دحلان ورفاقهم

هـم استقلالـيـون يجب الحفاظ عليهم و إقامة التماثيل لهم في ساحات الحرية .

في حين تضع قناة المستقبل صورة المناضل الشريف ابن الشريف

نـجـاح واكـيـم . على أنه كان تـابـعـاً للمخابرات السورية في لبنان و يجب

أن يخرج من بيروت مع خروج هـؤلاء منها . و يـنـتـظـرون من الناس

أن يصدقوا ذلك . و أن يصدقوا أن واكيم كان يعمل عند نظام الوصاية

في حين كان الحريري و جنبلاط يـقاومـان كل أنواع الوصايات . و الكارثة

أنّ هناك من يصدّق .. هناك من لا يستطيع الخروج من المزبلة . لا يستطيع

مجرّد عمل إطلالة بعـقله خارج حدود المزبلة . كي يرى الشمس .و كـي

يشمّ رائحة هواء نظيف . بعيداً عن ذاك الإسهال الفكري السياسي الذي

يمارسه أولـئـك ( الـبـاش كـُـتـّـاب ) .



حـنــّـا الـسـكران


..........................


مـع الـعـدالـة الإجـتـمـاعـيـة

الخميس، 11 ديسمبر 2008

الـكـره بالـجـمـلـة

ــ إنّ أخـطـر مـا قـد يـصـل إليه الـفـكـر الإنساني , هـو حالة اعـتـنـاق

الـكـراهـيـة , أن تصبح الـكـراهـيـة فـعـلاً مؤدلجـاً يشبه حـزبـاً أو

ديناً أو مذهباً , و أن نـفـتـخـر بالإنـتـماء إليه .

هذا انـحـدار غير مسبوق في خطّ سير الفكر الإنساني العام , خصوصاً

و قد خـرج من الحالة الفرديـّة إلى العمل الجماعي .

اتــابـع بـاسـتـغـراب شـديـد و بـدهـشــة كـبـيـرة , عـمـلـيـّـات تـفـريـخ

جـروبات الكراهية كل يوم بل كل ساعة على هذه الشبكة :

( كـارهـي العلمانيين ــ كـارهي الإخوان المسلمين ــ كـارهي اليسار الكافر.

كـارهـي نـوال السعداوي ـ كارهي عمرو خالد ـ كـارهي الـتـنـصـيريين عـبـّاد

الصليب ) إلى اّخـره مـن الـتـجـمـّـعـات القائمة على الكراهية فقط , و التي

لا يجمع أصحابها بعضهم ببعض سوى فـِـعـل الكراهية , و لن أقول الشعور

بالكراهية .. لأنّ هـذا الأمر خـرج من خـانـة ( المشاعر و الأحاسيس ) ليدخل

في خـانـة ( الـفـعـل أو الـعـمـل ) المقصود و الـقـائم على الـنـيــّـة .

كـل المذكورين أعلاه . مـن أشخاص أو جماعات عقائدية أو أيديولوجية , أنا

أخـتـلـف و أتـفـق معـهـم في مكان مـا .. و قـد أخـتـلـف حـتـى الصراخ و الرفض

و الـعـراك بالأفـكـار .. وربـمـا بـالأيدي حـيـن يـحـمى الوطـيـس . لكني لا أستطيع

أن أرفـع شـعـار الكراهية ضـدّهم كـأشـخـاص و الـذي قـد يـوصل إلى إلـغـائـهـم

و تـصـفـيـتـهـم جـسـديـاً بـشـكـل غـبـي , و سـأكـتـفـي بـمـثـال واحـد عـن ذاك

الـشـاب الـذي طـعـن الـكـاتـب الكبـير الراحل نـجـيـب محفوظ بـسـكـيـّن و هــو

لا يـعـرف عـن مـحـفـوظ أيّ شـيء . لأنّ ذاك الـشـاب ســِـيـقَ إلـى قــفــص

الـكـراهـيـة كـالـنـعـجـة و لـم يــُـتـرك لـه أي خـيـار إنساني اّخـر . فـجـاءت ردّة

فـعـلـه هـمـجـيــّـة تـمـامـاً .

أنـا هـنـا لا أدّعـي العيش و لا أدعو إلى العيش في المدينة الفاضلة , المستحيلة .

بـل أدعـو إلـى الـتـصـرّف بـطـرق إنـسـانـيـّـة , و مـواجـهـة بعضنا البعض

بـأسـالـيـب إنـسانـيـة لا غـرائـزيـة ثــابــتـــة .. و أنــا أدرك جــيـداً أنّ

لـلإنسان قـدرة على الإحتمال .. و لديه غـرائـز أيـضـاً قــد تـطـفـو إلى

السطح أحيانا و تستـلم زمام المبادرة بـدلاً عن الـعـقــل .. هذا حقيقي .

لكن الـكـارثة أن تصبح الـغـريزة هـي الـمسيطرة طـوال الـوقـت ..

و حين نصبح جميعاً في حـزب ( الكارهـيـن ) فـمـن سـيـعـيـدنـا إلـى

رشـدنـا ؟؟ مـن سيدعو إلى الحبّ و الـتـعـايش مع الاّخر و قبوله و محاورته ؟

بـعـد كـل مـا رأيـتـه و أراه يوميـاً من ازديـاد هـذه الـثـقـافـة على شبكة

الأنـتـرنـت , و تـكـاثـر تـجـمـّـعـات و جـروبـات الـكـراهـيـة , أفـكـّـر أن

أفـتـتـح جـروب جـديـد بـعـنـوان :

( أنـا كـارهـكـم كـلــّـكـم ) .

ــ مـلاحـظـة لا بـد مـنـهـا :

لـلـتـأكـيـد على أنّ لكـلّ إنـسـان قـدرة على الإحتمال تـنـتـهـي في

مكان مـا . لـي طـلـب قـد يـنـسـف كـلّ مـا كـتـبـتـه سـابـقـاً في هـذا

الـنـصّ , لـكـن لا بـأس , فـقط كـي أكـون مـتـصـالـحـاًُ مـع نـفـسـي :

أرجـو مـن أيّ مـنـاضـل كـاره مـشـتــرك في جـروب ( كـارهـي

تـامـر حـسـنـي ) أن يــُـرسـل لـي دعـوة للإنـضـمـام . لأنّ هـذا هـو

الـجـروب الوحيد الـذي لا أسـتـطـيـع مـقـاومـة الإنـضـمـام إلـيـه .

هـنـا تـنــتــهــي قـدرتــي عـلـى الـمـقـاومـة بــطـريـقـــة الـمرحـوم

غــانــدي .



حــنــّـا الـسـكـران .

.............................

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2008

نـظـريــّــات

تــسـقـط ُ كـلّ الـنـظـريــّـات مـن رأسـي تــِـبـاعــاً

كـمـا تــسـقـط الـشـعـوبُ , مـن عـيـنـيّ .

لـم أعـد أحـتـاجُ لإثــبــات ٍ .. و لا نــَـفــي ٍ

عـلـى أمــر ٍ مـعـيـّـن .

أنـامُ فـي الـلـّـيـل , و أنـا مـؤمـن ٌ

أنّ الـسـمـاءَ بـعـيـدة ٌ

و أنّ الأرض كـرويــّــة ْ .

و أنّ الــثــورة لا ريـــبَ فــيــهـــا , اّتـــيـــة ْ .

أصـحـو صـبـاحـاً

و أنـا عـلـى ثــقــة ٍ

بــأنّ الـشـمـس تــأخـــذ نــورهــا

مـنْ وهــج خــدّيــك ِ

و أنّ الأرض َ

حــولَ نـهـــديـــكِ , تــدور


و أنّ لـلــحــريـــّــــة الــحــمــــراء طــَـعــمٌ


عـلــى طــرف ِ الـلـســــان ِ

كــَـطـعـم ِ حــِـلـمــــة ْ .




...........................


هـنـاك امــرأة ٌ


تــعــصــر قـلـبـي


و تــنــتــشــي


تــقـفُ عـلـى قـمـّـة الأرض


و تــصــرخ :


هــذا الــنــبــيــذ لــذيـــذ


هــذا الــنـبـــيــذ رائــــع !!


ثــم تــبــدأ رقــصــة الــمــوت و الــحــيـــاة .


و أنــا


أمـسـكُ الـسـمـاء مـن خـصـرهــا


و أعـصـرهـا بـيـديّ الـعـاريـتـيـن


و أتــمــتــم :


هــذه الـمـرأة


هـي أوّل الـكـون


و اّخــره


و أنـا عــُـصـارة الـغـيـم الـــشارد .



................................



أنــا لــســــتُ مــجـــرّد غـــاضــب ٍ , حــانــــق .


أنــا عــاشـــق


إنــّــهــا قـمــّـة الـغــضــب


إنـــّـهــا .. الـثــــورة يــا امـرأة ْ.




جــو غـانــم



................................



أســامـيـنـا

الأحد، 7 ديسمبر 2008

مـتـاهـات

ــ أشـفـق عـلـى زوجـات بعض الـسـيـاسـيـّيـن الـلـبـنـانـيـيـن , فـالـواحـدة

مـنـهـنّ تـجـد نـفـسـهـا مـضـطـّـرة كـل صـبـاح , لأن تـقـرأ كـل جـرائــد

الـبـلـد و أن تـتـابـع كـل نـشـرات الأخـبـار طـيـلـة الـنـهـار , كـي تـعـرف

مـع مـن تـحـالــف زوجـهـا لـهـذا الـيـوم , و مـن هـم أعـداءه , لـتـعــرف

أيـن و مـع مـن ( تـسـهـر هـذا الـمـسـاء ) .

ــ أشـفـق . و أغـبـط فـي الـوقـت نـفـسـه .. أزواج الـفـنـانـات الـعـربـيـّـات

لأنّ الـواحـد مـنـهـم , كـل عـدة أيـام أو شـهـر عـلـى الأكثر , يـصـحـو مـن

نـومـه , لـيـجـد عـلـى سـريـره امـرأة لـم يـرهـا مـن قـبـل . و بـذلـك يـكـون

مـضـطـراً لأن يـُـعـيـد تـمـثـيـل مـشـهـد لـقـاءه الأوّل بـزوجـة المستقبل كـل

فـتـرة .. الـتـاريـخ هـنـا يــُـعـيـد نـفـسـه مــع الـزوج فـقـط . لكن هـو

مـضـطـرّ دائماً لأن يـتـعـامـل مـع جـغـرافـيـا و تـضـاريـس جـديـدة

و مـتـقـلــّـبـة .. و لا تــُـكــرّر نـفـسـهـا .

أحـيـل هـذ الـقـضـيـّـة إلـى الـشـيـخ ( يـوسـف الـبـدري ) أو مـفـتـي

جـبـل لـبـنـان الشيخ ( الـجـوزو ) .. لـنـسـمـع رأي الدين فـيـمـن

يـتـزوّج اثـنـي عـشر مـرة في الـسـنـة .. و بـعـقـد زواج واحـد .

في المسيحية .. هـذه الـمسألة مـحـسـومـة .. فـهـي حـرامٌ .. حـرامٌ

حـراااااااام .. ( مــدّوا الألف قـدّ ما فيكم , بارك الله فيكم ) .

ــ أشـفـق عـلـى الـقـارئ الـكـريـم الـذي يـأتي إلى هنا و هو يـظـن

أنّ جـديـداً لـديّ .. و الذي يقرأ الجرائد كلّ يوم و يستمع إلى البرامج

السياسية و هـو مـتـلـهــّـف لـمـعـرفـة ( الـمـسـتـجـدّات ) ..

لا شيء جديد .. لديّ أو لدى هـذا العالم .. ما أكتبه الاّن ..أنا و غيري

و على كل الإتجاهات .. و ما يحدث في هـذا العالم .. كـلــّه .. كــُـتـب

و قـيـل و حـدث مـن قـبـل طوال كل تلك العصور .. أحياناً بنفس الطريقة .

و أحيانا تـخـتـلـف قليلاً من الخارج . لكن المعنى و المغزى واحد . يـتـكـرّر

دائـمـاً . الإنسان هـو التاريخ الذي يـُعيد نفسه .

وحـدهُ ولـيـد بـيـك جـنـبـلاط .. هـو الإكـتـشـاف الـجـديـد و الأكيد

و الـذي لـم تـعـرف الـبـشريـّة مـثـلـه مـن قـبـل .

هـنـا فـقـط .. أنـا أشـفـق عـلـى ( مـسـتـقـبـل ) .. هـذه الـبـشـريـّـة .





السبت، 6 ديسمبر 2008

الـحـبّ فـي زمـن الـعـار

فـي تـقـريـر مــصــوّر بــثــّـه تـلـفـزيـون الـجـديـد هـذه الـلـيـلـة

عــَـثـر فـريـق مـن نـشـطـاء حماية الـبـيـئـة و تـنـظـيـف الـشواطئ .

عـلـى زجـاجـة مــُـغـلـقـة بـإحـكـام , قــذفـتـهـا الأمـواج أمـامـهـم

عـلـى شـاطـئ بـيـروت , فـتـحـوهـا لـيـجـدوا فـي داخـلـهـا رسـالـة

كـتـبـتـهـا صــبــيــّـة مـن غــزة , إلـى حـبـيـبـهـا .. تـقـول فيها :

( أنـا بـحـبــّـك كـتـيـر ... ربــّـنـا مـا يـحـرمـنـي مـــنـــّـَـكْ )

ثـم رسـمـت قـلـبـيـن و كـتـبـت اسم حبـيـبها .. و وقــّـعــت بـاسمـهـا

مـن غــزّة .

أعـتـقـد أنّ الـبـحـر كـان يــنــوء بـحـمـلٍ ثـقـيـل و جـمـيـل في اّن

مـعـاً .. و هـو يحمل رسالة الحبّ هـذه .. و يـجـهـد بـإخـفـائـهـا

عـن أعـيـن كـل أجـهـزة الـمـخـابـرات الإسرائيلية و شـقـيـقـاتـها

العربية .. لـيـخـتـرق بـهـا الـحـصـار ويـوصـلـهـا إلـيـنـا . لـنـقـرأ

بـيـن السطور رسـالــة أخـرى تـقـول :

إلـى شــبــاب الـعـرب ..

نــحـن عــُـشــّـاق غــزّة ..

نــُــطــمــئــنـكـم عـلـيـنـا .. لا زال بـمـقـدرونـا أن نـحـبّ

و أن نــحـلـم .. و أن نــُـصـادق الـبـحـر و نــُــاّخــي الـنـوارس

حـيـن افـتـقـدنـا حـبــّـكـم .. و صــداقـتـكـم ..و أخــوّتـكـم .

و مـن كـان قـادراً عـلـى الـحـبّ و الـحـلـم فـي ظـروف ٍ

كـظـروفـنـا هـذه .. هــو قــادرٌ عـلـى الـحـيـاة دائـمــاً .

لا يـكـسـره الـحـصـار .. و لا يــذلــّــه الـجـوع .. و لا يــُـحـبطـه

ظـلـم الـعـدو .. و لا صـمـت و نـكـران ذوي الـقـربـي ..

فــإن كـنـتـم أحـيـاءً و عـلـى حـبّ ... فـطـمـئـنـونـا عـنـكـم .

تــصــبــحــون عـلـى خــَـجـــلْ .

الـتـوقـيـع :

صــبــيــّـة مـن غـــزّة .




حــنــــّـا الـســكــران


..................................



هــَــالأرض جــايــي مــْــدَودَخــَـــة ْ

بــتـــْــهـــزّ عَ الــمــَــيــْــلــيــنْ

عَ كــتــر مــا هــيــّـي خــفــيــفــِــة

بــيــحــمــلــوهــا اتــْــنــيــنْ

و زغــَــيــّـــرة

طــيــر الــحــمــام بــْــيــِــقــْـطــَـعــَـا بــْــيــومــيــن

عَ قـــَـــدّ مــَـــنــّـــا زْغــَــيــّـــرة

خــَــمــَــنــْــتــهــا ..... بـــعـــديــن .


طــلال حــيـــدر


.................


ســـلــّـمـولـي عـلـى الــحــبّ




الجمعة، 5 ديسمبر 2008

اخـتـراعـات

أحـيـانـاً يــُـخـيــّـل لـي أنـكِ غـيـر مـوجـودة عـلـى هـذه الأرض

و أنــّـي اخـتـرعــتـــُـكِ مـن خـيـالـي , كـمـا أخـتـرع الـوطـن

الـذي أحـبــّـه و يـحـبـّنـي كـلّ مـسـاء .. لأصـحـو صـبـاحـاً

و لا أجــده .. وأنــّـي رسـمـتــكِ و لــوّنـتـكِ كـمـا أحـبّ و أشـتـهـي ..

فـقـط .. كـي أتــمـكـن مـن رسـم ابـتـسـامـة نـصـر ٍ عـلـى شـفـتـيّ

و أنـا أواجـه قـلـبـي , بـصـدري الـعـاري , و أصــرخ :

أنـا حــيّ أرزق ....

و أصــدّق روايـتـي كـلــّـهــا .... و أنــام .

و أحـيـانـاً .. يــُـخـيــّـل لـي أن وجـودكِ مـا هـو ســوى مــؤامـرة

دبــّــرهــا لــي جـهـاز مـخــابـراتٍ عـربــي , و أحـبـكـوهـا بـذكـاء ٍ

كــي يــوقــفــونــي أمـامـهـم و يــواجـهـوا صــدري الـعـاري

و يــصــرخــوا فـي وجـهـي :

أنـــتَ حــيّ تـــرزق ...

فــأصــدّق روايــتــهــم ... و أشــكــرهـم .. و أنـــام .

و أحـيـانـاً .. أبـدو شـبـه مـقـتـنـع أنـك أغـنـيــة غــنــّـتـهـا

لــي فـيـروز .. بـصـوتـهـا الـذي يـعـشـعـش في دمـائـي مـُـذ

كــنــتُ طـفـلاً صـغـيـراً .. حـتـى أدمـنـتـه , و حتى أصـبـح

بـاسـتـطـاعـتـه أن يـخـتـرع لـي وجـه حـبـيـبـة , و أن يــواجــه

قـلـبـي الـعـاري و يـُــدنـدنـهـا بـالـلـحـن الذي نفضّله معاً :

أنــا لـحـبـيـبـي

و حـبـيـبـي إلــي

يــا عـصـفـورة بـيـضـا

لا بــقــى تــســألـي

و أنـا دائـمـاً .. أصــدّق صــوت فـيـروز .. و أنــام .

و أحـيـانَ أخــرى .... يــُـخـيــّــل لـي أنــّـي لـســـتُ مـوجـوداً

عـلـى هـذه الأرض .. و مـا أنـا ســوى اخـتـراعٌ فـريـدٌ لـقـلـبـك .

و حـيـن أقــول : أحــبــّــك

صــدّقــيــنــي ... و احـضــنــي بــراءة اخـتـراعـــكِ ..

و قــبــّـلــيــهــا و نـــامــــي .



جـو غـانـم


سلام بين اللي بـقـيـوا و الـلـّي فـــَـلــّـوا

ــ أتـمـنـّى على الحكومات العربية ..خصوصاً المصريّة

عـقـد اتـفـاق سـلام مـع الأعداء الـغـزّاويـيـّن .. على غرار

معاهدة السلام مع الشقيقة اسرائيل .. و لا بأس من أن تكون

هذه المعاهدة برعاية أمريكية مباشرة , و أن يـتـمّ التوقيع

في كامب ديفيد بالتحديد , نـظـراً لحميميـّة المكان و ما له من

رمـزيـّـة تاريخية في قلوب بعض العرب .

و ذلك حقناً لدماء الأبرياء في غزة .. الذين بلغ عدد شهداء

الجوع و الحصار بينهم . عشرون شهيدا حتى هذه اللحظة .

مع العلم أن التطبيع بين هذه الشعوب سيكون سهلاً جداً , كونهم

يـتـكـلـّـمون نفس اللغة ,و يستمعون إلى نفس الأغاني .

على أن تـتـضـمـّـن المعاهدة بـنـوداً يـتـعـهـّد فيها الغزاويين

بـعـدم المطالبة بمعاملتهم بالمثل كالإسرائيليين , فيما يخصّ

الإستيراد و التصدير من بضائع و مشتقات بترول و ثروات

طبيعية كالغاز مثلاً .. و أن يتعهدوا أيضاً , بأن لا ( يدعس )

أحد منهم أرض منتجعات طابا أو شرم الشيخ أو العقبة أو أيّ


مـنـتـجـع أو منشأة سياحية في أي بلد عربي يوقـّع أو يوافق

ضـمـنـيــّاً على المعاهدة . لأن مناظر أهل غـزة و أشكالهم ليست

سياحـيــّة على الإطلاق .. خصوصاً بعد كل هذا الجوع و الحصار

و أيضاً و أهمّ من ذلك كله .. أن يتـعهدوا بشكل قاطع , بأن يمارسوا

شعائرهم الدينية داخل غزة فقط بعيداً عن نظر أو سمع كل عربي معتدل

أو حتى غـائـم جزئياً . و أن لا يلبسوا أو يتصرفوا أو يقوموا بأي فعل

أو قول أو مظهر يدلّ على ديانتهم حين يدخلوا البلدان المذكورة . كي

لا يـفـتـنـوا أهـلـهـا .

في حين تـتـعـهـّـد الدول الأخرى الموقعة على الإتفاقية , بعدم

( حـشّ ) أقـدام الـغـزّاويـيـن حين يعبرون الحدود بطريقة نظامية .

و من الممكن بعد كلّ هذا أن تقوم تلك الدول بدور الوساطة

بين الدولتين العدوتين ( ضـفــّـسـتـان و غــزّ سـتـان ) على

أن تكون إسرائيل هي الحكم الرابع , في أيّ مفاوضات قادمة

نظراً لـكـونـهـا مـحـلّ ثـقـة عند معظم الأطراف المعنيـّـة .

و نـظـراً لما يعرفه بعض العرب عن أصدقائهم زعماء اسـرائـيـل

من صـدق و حسن نـيـّة و شهامة و عـشـق للسلام .

يــُـرفـق بالمعاهدة ملحق تتم مناقشته و تطبيقه في ما بعد

تدريجياً . و يتحدّث عن تنظيم علاقة أهل غزة بشعوب

تلك البلدان كي لا تكون ( فالتة و خوش بوش ) كأن

يتم تنظيم حملات إعلامية و إعلانية على الشاشات

تـبـيـّن للشعوب أفـضل الطرق للتعامل مع أهل غزة .

كـأن لا يختلوا بهم على انفراد لأكثر من خمس دقائق

مثلاً .. و أن يتعاملوا معهم برسميّة شديدة أثناء البيع

و الشراء كي لا يتهموا بالتعاطف الزائد عن حده معهم

على أن يــُـدرج اسم المدوّن المصري ( محمد عادل ) كـعـبـرة


لمن يـعـتـبر .. و كـأنموذج غير جيّـد للإنسان العربي الذي

تقوده عـواطـفـه لا عقلانيـّـة و عـبـقـريـّة قـادة بـلاده .

أخيراً .. تـُـنـفـى صفة ( الشهداء ) عن كل الذين سقطوا

في حروب الإبادة و الحصار و الجوع من أهل غـزّة

كبادرة حسن نـيـّـة من الموتى .. تجاه من هم أكثر موتاً .




حــنــّـا الـســكران .


...............................


الخميس، 4 ديسمبر 2008

وقـفـة مـع الإعـلان

تـظـهـر فـتـاة جميلة ( مـفـرّعـة ) على الشاشة تمسك بيدها

عـلبة شامبو .. و تـقـول بـصـوت يـمـكـن أن يـوصـف بـأنه

( أخـو شـلـيـتـة ) :

( أنا مـا وصلت للّي أنا فيه بسهولة .. أنا تعبت كتير على فـنـّي

لـحـدّ مـا حـقــّـقت كل هالنجاح و وصلت للقمة ... ) و طـبـعـاً

الشامبو كـان لـه الدور الأبرز في ذلك حسب تعبير هـذه الفتاة .

هذه الفنانة التي وصلت إلى القمة ..

ألتفت إلى صديقي الجالس بقربي و الذي يظنّ دائما أني موسوعة

فنية متنقلـة .. و أسأله : مـا اسم هذه الفتاة ؟ فـيـهـزّ رأسه مستغرباً

و مستنكراً و مستهجناً و مبديـاً جهلاً تاماً بالموضوع بـرمـّـتـه .

ــ ثــلــّـة من الشباب الغاضبين و التي تبدو على وجوهم الدهشة

و العصبيـّـة لأسباب مجهولة .. يظهرون فجأة أمامك على الشاشة

يقول أحدهم بطريقة يـمـكـن وصـفـهـا بـأنـهـا أكـثـر مـن ( أخت شليتة )

بـقـلـيـل :

( يا أخي أبويا ما يـخـلـّيني أمارس هوايتي بالتصوير .. ما أدري إيش

أسوّي .. )

تـدور الكاميرا في مـشـهـد درامـي .. قـد يـظـنّ المشاهـد لـوهـلـة

أنـّه مـن إخراج العزيز ( وودي اّلن ) .. لـتـقـف على وجه شـاب

تبدو عليه اّثـار الـعـبقرية المفاجـئـة , و الـتـي فـاجـئـتـه هـو قبل أن

تـفـاجـئ الاّخرين أو المشاهدين و يقول على طريقة اسـحـق نـيـوتــن :

( لــقـيـتـهـا .. ليش ما تمارس هـوايتك تلات أيام بالأسبوع ..

و تساعد أبوك تلات أيام ؟ ) .

يجيب الشاب الاّخر و قد ذهب عنه الغضب و حـلــّت محلّه علامات

الـرضـا و القـناعة التي هي كنز لا يفنى بكلّ تـأكيد :

( إي والله انت جـبـتـهـا ) . و يـقـفـز الـجـمـيـع مـن شـدّة الـفـرح

ثم تظهر الحبكة و الـعـبـرة على الشاشة على شكل عبارة تقول :

( البركة بالـشـبـاب ) .

ــ إلى 99% من مخرجي الإعلانات في الوطن العربي ...

تـحـيـّـة و بـعــد :

كـس أخـتـكـم.



حـنــّـا الـسـكـران


.....................


كـلـمـة بـتـبـدا





الأربعاء، 3 ديسمبر 2008

بخصوص الحريّة و الديمقراطية

عشت طوال حياتي حتى هذه اللحظة و أنا أحلم بأن تعمّ الحرية

و الديمقراطية عالمنا العربي .. لأني أدركت دائماً أن لا مجال

لأيّ خطوة حقيقية للأمام بدون هاتين القيمتين .. و أن القمع

و الديكتاتورية هما أكبر عائق أمام التحضـّر و أمام الوصول

بأيّ أمة إلى ما تستحقّ من مكان و مكانة بين الأمم .

و كنت أخــدع نفسي دائما حين أنتفض في وجه من يقول

بـأننا شعوب ليست جاهزة بعد لتعيش الديمقراطية الحقيقية

أو تختبر الحرية المسؤولة ..

في الحقيقية .. منذ تـبـنــّـى جورج بوش توصيل الحرية و الديمقراطية

إلينا بطريقة ( الديلفري المدجـّج بالـسـلاح ) و منذ أن تـسـلـّـم الشعب

العراقي ذاك ( الطـرد البريدي ) و بدأ بتجريبه .. و قبله كان الشعب

اللبناني و لا زال يـجـرّب أيضاً على طريقته .. و مـا أفرزه هذا الواقع

و ذاك من تجارب مـشـوّهـة .. و أيضا و بالأخص .. ما رأيناه و نراه

من تـصـرّف ما يـُـسـمـى ( بالنخبة ) السياسية و الثقافية العربية

التي أفرزها هذا الواقع .. و أنا أزداد قناعة أنّ الحرية و الديمقراطية

هما اّخر قيمتين يمكن للإنسان العربي أن يطالب بهما .. فهو في

الحقيقة .. شئنا أم أبينا .. غير مـؤهــّـل ليكون ديمقراطيا . و غير

قادر على ممارسة الحرية المسؤولة ( كمجتمع متكامل ) و ربما هذا

ما دفعني حين أنشأت هذه المدونة لأن أكتب في ملفّ التعريف بأني

أصبحت كـارهاً للديمقراطية .. و كنت و لا زلت أقصد ذاك النموذج

و الفهم المشوّه للديمقراطية .. الذي نـدّعيه .

البارحة وصلتني رسالة من أستاذ مصري محترم يخبرني فيها

أنه كان يستبشر خيراً فينا نحن المدونين و كان ( مثلي ) يظن

أن جيلاً جديداً يطفو على السطح .. يبدو أنه قادر على الإختلاف

دون سلاح و دون شتيمة . . جيل يستطيع أن يحاور و يناقش و يختلف

دون أن يترك وراءه أثـراً لغبار معركة , أو ضحايا بالجملة . و هذا

الجيل قد يكون جديراً بأن يقود أو يؤسّس لجيل يقود أمة بشكل

صحيح أخيراً , و طبعاً لا داعي لأن أقول أن الرجل خاب أمله . فهذه

حقيقة أصبحت واضحة للجميع . فما نحن سوى امتداد لمخزون

طويل من الكبت و القهر و الديكتاتورية .. نحتاج لأن نـُـغـيــّـر

دمائنا بشكل كامل ربما , و ذاكرتنا أيضاً .. لنخرج من هذا القمقم .

لطالما اّمنت أن الإختلاف نعمة .. و هو أبـلـغ طريقة للتعلـّم من الاّخر

شرط أن يحترم عقلك و تحترم عقله و أن لا ينظر أحدكما للاّخر

بدونيـّـة , أو يناقش أحدكما الاّخر و هو يظن أنه أعلم الناس و أن

الاخر جاهل غبي .. فليس هناك أغبى من ذاك الذي يظنّ أن الناس

جميعاً أغبياء و أنه هو من يمتلك عصارة الحكمة و المعرفة .

حين جاء البابا الراحل يوحنا بولس الثاني إلى لبنان وصف هذا

البلد الصغير الذي يختزن أكثر من ثمانية عشرة طائفة و مذهب

بأن قال ( لبنان هو أكثر من بـلـد .. إنـّـه رسالة ) و لا أجد أبلغ من كلام

البابا لوصف مجتمع فيه كل هذا التنوع و الإختلاف و الفرصة الذهبية

للإستفادة منهما .. و هو ما قصده البابا .. إن هذا التنوع هو رسالة

عظيمة يمكن لو استفدنا منها أن نكون في طليعة الأمم و أن تتعلّم

مـنـّـا الأمم .. لكن طبعاً هذا الكلام لا يمكن أن يـُـطبـّق على الأرض

في أي واقع عربي .. فنحن اعتدنا أن يكون الإختلاف ( خلاف )

و أن يـؤدّي إلى حروب و مذابح و سجون و تشهير و سباب و لعن

و تحقير و تخوين و تكفير . و أن نستغل أي هامش للحرية بأسوأ

طريقة ممكنة , و أن تـُـلـحـق حريتنا أكبر الضرر بالاّخرين حولنا .

أغرب ما في الأمر .. هـو بعض أولئك الذين يـظهرون بمظهر " النخبة

الجديدة " و الذين استعاروا اللباس الخارجي للديمقراطية الأمريكية تحديداً

و التي تتيح لك أن تكون حرّاً في لسانك بأن تقول لفلان أنه ابن

عاهرة و أن تسمح له أن يقول لك المثل . و أن تكون ديمقراطيا

في لعن و سبّ كل من يخالفك الرأي , فمن ليس معنا هو ضدّنا

بالمطلق . في حين لا تستطيع أن تـُـغـيـر أي شيء في الواقع

المحيط بك .. بـل تـصـبـح و كـأنك بالفعل لا تريد أن تـُـغـيـّر أي

شيء . فأنت مبسوط و مرتاح بـهذه النعمة العظيمة .. نعمة حرية

الشتيمة و السباب و لا تريد أكثر من ذلك . فهذا هو الهدف و الغاية .

أن تفلت من كل عقال و أن تشعر بذلك حتى الثمالة . و تـنـسـى أنك

عاجز تماما عن فعل أي شيء اّخر .. أي شيء ذو قيمة طبعا .

هـؤلاء الذين يـتـشـبـّـهـون بديمقراطية أمريكا في حين أنّ أمريكا

لم تـعـد تشبه نفسها .. أو لا تشبه المفاهيم و القيم التي تنادي بها .

هؤلاء يـُذكـّروني بأمرين , أولهما .. أغنية كنت أسمعها و أنا صغير

للفنان الكبير مارسيل خليفة . يقول في أحد مقاطعها واصفـاً فئة

من السياسيين ( مـعـرّم بالـطـقـم الـطـلـيـانـي .. فـوق الشروال

العثماني ) . و الأمر الثاني .. هو حادثة قرأت عنها منذ زمن

تقول .. أن مسابقة أجريت في فرنسا لـشـبـيـهـيّ شارلي شابلن

و شارك فيها عشرات الشبان من كل أنحاء أوروبا , و كان شارلي

قد سمع بها فـذهب بنفسه و شارك تحت اسم مستعار دون أن يخبر

حتى أقرب الناس إليه .. و كانت المفاجأة أن يـحـلّ شارلي شابلن

الأصـلـي في المرتبة الثالثة و الثلاثين .

أخيراً .. و كـي لا يـُـفـهـم كـلامـي على أنه نوع من الـتـنـظـيـر .. ففي

الحقيقة .. أحد أسباب انزعاجي .. هو إدراكي أني أنا الاّخر لا أستطيع

أن أكون ديمقراطيا بالطريقة التي حلمت و أحلم بها , وأيضاً لم أختبر

الحرية المسؤولة كما يجب . و أنا أتكلم عما هو حقيقي .. و ليس عـمـّا

اختبرناه و نـخـتـبره من قشور ..



حـنـا الـسـكـران


..................................

11