يــُـقــرّر حـنـــّا الـخـروج مـن عـزلـتـه , يـفـتـح بـاب عـقـلـه و يـقـف
عـلـى حـافـــّـة اّخــر كـأس شــربـه قـبـل أن يـفـقـد الــوعـي .
يــريــد حــنــّـا أن يــســتـطـلـع أخـبـار الـشـارع الـعـربـيّ . يـفـتـح
خـيـالـه عـلـى مـهـل ٍ خـشـيـة إزعـاج الـشـعـب الـجـالـس عـلـى
الـرصـيـف , كـان أوّل مـشـهـد تــراءى لـحـنــّا , هـو صــورة
الــزعـيـم الـمـعـلــّـقــة عـلـى الـجـدار الـمـقـابـل لـعـقـلـه .
يــرتـجـف حــنــّـا لـلـوهـلـة الأولـى بـحـكـم الـعـادة , ثـم مـا يلـبـث
أن يـسـتـعـيـد تـوازنـه و هـو يـبـتـسـم ابـتـسـامـة لا مـعـنـى لـهـا .
يــُـدقــّـق الـنـظـر جـيـداً فـي صـورة الـحـاكـم , يـقـرأ الـكـلـمـات
الـمـكـتـوبـة تـحـتـهـا و الـتـي تـصـف صـاحـب الـصـورة بـالـبـطـل
الـعظيم و الإنسان الحكيم , يـوشـك حــنــّـا أن يـسـأل بـائـع الـكـعـك
الـواقـف عـلـى يـمـيـن الـصـورة , مـا إذا كـان الـحـاكـم قــد
خـاض حـربـاً و كـسـبـهـا فـي غـيـاب حــنــّـا , لـكـنّ حـنــّـا
يـُحـجـم عـن الـسـؤال فـي اّخـر لـحـظـة بـعـد أن لاحـظ أنّ
وجـه الـحـاكـم قـد ازداد عـبـوسـاً و تـجـهـّمـاً في الصورة .
أيــعـقــل أن الـحـاكـم عـرف مـا يجـول فـي رأس حـنــّـا ؟
يـصـطـنـع حـنــّـا ابـتـسـامـة بـريـئـة و يـلـقـيـهـا فـي
وجـه الـصـورة , ثـم يــشـيـح بـنـظـره إلـى الـجـهـة الأخـرى .
يـرى جـنـازة قـادمـة , يـتـقــدّمـهـا رجـل ديـن بـلـحـيـة
طـويـلـة و عـكــّـاز , و يـمـشـي خـلـفـهـا رجــلان و امـرأة .
تــصـل الـجـنـازة إلـى مـقـابـل صـورة الـزعـيـم , يـتـوقــّـف
الـجـمــع الـجـنـائـزيّ , يـلـتـفـتـون إلـى نـاحـيـة الـصـورة , يــؤدّي
الـمـيــّـت و صـحـبـه تـحـيــّـة الـنـصـر لـلـحـاكـم الــمــُـعـلــّق
عـلـى الـحـائـط كــنـاقــوس ٍ ( يــدقّ فـي عـالـم الـنـسـيـان ) .
يــُـخـيــّـل لـحــنــّـا أنــه رأى الـمـيـّـت يــُـخـرج رأســه
مـن الــتـابــوت و يــحــنـي جـبـيـنـه احــتـرامـاً , و يـطـلـب
الأذن فـي الـولـوج إلـى الـعـالـم الاّخــر , ثــم يـعـود إلـى
رقــدتــه مـن جـديـد .
يـشـعـر حــنــّـا بـدوار غــريــب . فـيـقـتـرب مـن الـحـافــة أكـثـر
ثـم يـبـصــق فـي وســط الـشـارع الـعـربـي , و يـعـود لـيـغـلق
عـلـى نـفـسـه بـاب عـقـلـه . و يــدلــف عــائــداً إلـى ذاتـــه
الـمـتـعـبــة , يـسـكــب كــأســاً و يــأخــذ ورقــة و قـلـمـاً
و يـشـرع بـكـتـابــة وصــيــّـتــه :
حـيـن أمــوت , لا تـمـشـوا بـجـنـازتـي فـي شـوارع الـعـروبـة
الـمـزدحـمـة بالـجـدران و الـصـور و الأمــوات , بــل ضـعـوا
جــثــّـتـي عـلـى سـطـح عـقـلـي , و اتــركــوهــا لـلـنـسـور
الـقـادمـة مـن الأعـالــي , أكـاد مـنـذ الاّن , أرى نـسـراً واقـفـاً
عـلـى جـبـيـنـي , يـنـحـنـي احـتـرامـاً لـجـثــّـتـي , و يـطـلـب
الإذن بـأن يـغـرس مـنـقـاره فـي عـيـنـيّ , و أنــا أبـتـسـم
لـه و أمـنـحـه بـركـة دمـائـي .
يـلـيـق بالـنـســور فـقـط , أن تــؤاخــي حــنــّـا بالــدم
و الــلـحـم .
حــنـــّا يـشـرب نـخـب أخــوتــه الـجــدد . و يـبـدأ بـتـرتـيـل
مـزمــار مــن ســِـفــر الــقــيــامــة .
جــو غــانــم
.......................
مـلاحـظـة هـامــّـة جـداً :
يـقـوم الـبـعـض بـنـقـل نـصـوص كـتـبـتـهـا أنـا و نشرتها
هـنـا فـي هـذه الـمـدونـة , و يـنـشـروهـا في الـمـنـتـديـات
و يـنـسـبـوهـا لأنـفـسـهـم أو يـكـتـفـون بـنـشـرهـا دون الإشارة
لـكـاتـبـهـا , خـصـوصـاً نصوص من سلسلة ( مـزامير حـنـّا السكران )
أو قـصـائـد أخـرى , كـنـت أنـزعـج دائما و أسـكـت معظم الأحيان
مع أنـي أدرك أنّ من يراها و لا يـنـتـبـه لتاريخ النشر , قـد يـظـنّ
أني أنا من أخذ نصوصاً لغيره و نشرها باسمه , و هـذا أمر لا يمكن
أن أقبله على نفسي تـحـت أي ظـرف .
لـكـن الكارثة أن ينقل أحدهم نصّ من هـنـا و يـنـسـبـه لأنـاس
اّخـريـن لـن أبـلـغ يـومـاً واحـداً بالألـف مـن عـبـقـريـتـهـم .
كـمـا فـعـل هـذا الأخ الـذي نـقـل نـصــّـاً لـي و غـيـّـر فيه
بعض الكلمات و كـتـب تـحـتـه ( بـتـصـرّف مـن مسرحيّة
اّخـر أيـام سـقـراط ) , هـذه كـارثـة , فـإن كـنـت أنا الـذي
لا يزال في بداية مشواره , أسكت عـن هـذه التجاوزات
بـحـقــّـي , فلا يـمـكـن أن أقـبـل مـن أحـد أن يـلـعـب
بـتـراث عـظـيـم كـمـنـصـور الـرحـبـاني , و يـشركـنـي
في ذلك ( و لو أنه لم يذكر اسمي ) . هـذا حـرام و عـيـب
كـبـيـر . مع أني أعتقد أنّ هـذا الأخ قد فعل ذلك جهلاً لا قصداً .
فـأنـا كنت قد نشرت بيتين شعر في اّخر النص و أشرت إليهما
على أنهما للموسيقار منصور الرحباني من مسرحية اّخر أيام
سقراط , و لم ينتبه الأخ أن اسمي موضوع على النص كله
ما عدا هذين البيتين . لكن وجب التنويه هنا احتراماً للعظيم
منصور الرحباني , و أيضا كي يوقف الاّخرين نقل النصوص من
دون الإشارة لصاحبها .
و الأخ الـعـراقـي الـذي يـأخـذ بـعـض قـصـائـدي من هـنـا
أو من مدونتي القديمة و ينشرها باسمه في أحد المنتديات
لـن أسكت طويـلاً عـلـى هـذا الـعـمـل , أنـت لا تـدرك الضرر
الـنـفـسـي الـذي تـسـبــّـبـه لـي , أرجـوكـم بـعـض الإحترام
لـعـقول الـنـاس , هـذا عـيـب .. عـيـب . فمن السهل جـداً
عـلـيّ أن أكشفكم و أضـعـكـم في مـوقـف مـحـرج و مـخـجـل
أمـام زمـلائـكـم الـذيـن يكيلون لكم الـمـديـح عـلـى أكـتـاف
عـقـلـي و جـهـدي أنـا .
ــ تـحـديـث : وردتني ثلاث رسائل من أناس محترمين أبلغوني أنهم نقلوا
مقالات لي بكل أمانة إلى مواقع و جرائد ألكترونية دون أذن , أريد أن أوضـح
أني أتكلم عن السرقة و ليس عن النقل الأمين للكلمة و وضع اسم صاحبها .
و لا يحتاج أحد إلى أذني في هذه الحالة . حـقـّي يصلني حين يـُكتب اسمي
في نهاية المقال .. و لكم جزيل الشكر . فليس هناك أحد لا يحب أن تصل كلمته
إلى فضاء جديد .
جـو غـانـم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق