الأربعاء، 11 فبراير 2009

جـريـمـة عـلـى طـريـق الـشـهـرة





الـسـؤال الـتـاريـخـي الـذي لـم يـفـارقـنـي يـومـاً واحـداً مـنـذ

وعـيـت عـلـى حـالـتـنـا الـعـربـيـّـة ( الـراهـنـة سـابـقـاً , والـراهـنة

حـالـيـاً , و الـراهـنـة لاحـقـاً في المدى المنظور لـلـعـقـل ) هــو

عـلـى مـن تـقـع مـسـؤولـيـة جـريـمـة وجـود الإنـسـان الـعـربـي

بـشـكـلـه ( الـراهـن مـنـذ ألـف عـام إلـى مـاشـاء لـلجريـمـة أن

تـبـقـى راهـنة ) و حـالـتـه الـواضـحـة هـذه ؟ مـن الـمـسـؤول عـن

هـذه الجـريـمـة الأخـلاقـيـّـة والإنـسانـيـة والـتـاريـخـية , رحـم الله

مـحـمـّد الـمـاغـوط , كـان أوّل مـن تـطـرّق لـذكـر هـذه الـجـريـمـة

بـوضوح ( سـأخـون وطني ) لـكـنـه لـم يـعـطِـنـي الـجـواب الـشـافـي .

يــؤرّقـنـي هـذا الأمـر , وأعـجـز تـمـامـاً عـن الإسـتـيـعـاب وأنـا أراقـب

الـشـعـوب والأمـم الأخـرى عـن بـعـد , مـتـحـسـّـراً عـلـى كـلّ شـيْ

عـاجـزاً عـن أي شـيء , وربـما هـنـا يـكـمن طـرف الـخـيـط فـي حـلّ

لـغـز هـذه الجـريمـة . أهـو الإنـسـان الـعـربي الـذي لـم يــُـرد ولا يـريد

تـغـيـيـر مـصـيـره ؟ أهـو الـخـوف مـن الإرادة ذاتـهـا عـنـد الـبـعـض ؟

أنـا الـحـالـم بـهـذا الـتـغـيـيـر مـع كـلّ نـفـس أتـنـفـّـسـه , أعـتـرف

أنــّي و فـي لـحـظـات تــرقــّـبـي الـدائـمـة , يـنـتـابـنـي شـعـور

بالـخـوف حـيـن أغـمـض عـيـنـيّ و أرسـم صـورة لـلـثـورة فـي

خـيـالـي , فـالـعـربـي حـيـن يـجـد هـامـشـاً لـلـثـورة أو الـحـريــّـة

أو الـديـمـقـراطـيـّـة , يـتـرك كـل مـصـائـبـه الـحـقـيـقـيـة و كـلّ

ثـاراتـه مـع الـظـلـم و الـقـهـر و الإحـتـلال , و يـشـرع بـذبـح

أخـيـه أو اضـطـهـاده أو إلـغـاءه تـمـامـاً , الـعـربـي الـذي تـقـتـلـه

اسرائـيل وتـتـاّمر عليه كلّ القوى من حوله , مـا إن يجد فـسحـة يـضع

فـيـهـا قـدمـيـه فـي وضـعـيـة الـنـهـوض و الـقـدرة عـلـى الـفـعـل

و الـحـركـة , حـتـى يـبـدأ بـذبـح نـفـسـه مـن الـوريـد إلـى الـوريد

و يـرقـص فـوق دمـائـه .

حـتـى حـيـن ( يــتـثــقــّـف ) هـذا الـعـربـي , يــُـخـيــّـل لـه أنــه خـرج

مـن قـمـقـم الـجـريـمـة الـقـديـمـة الـمـسـتـمـرة , جـريـمـة وجـوده

عـلـى هـذه الـحـالـة , و قـد يـبـدأ بالـتـنـظـيـر لـجـريـمـة أعـظـم

لـكـنـهـا أكـثـر سـفـسـطـائـيــّـة , و تـحـتـمـل أسـئـلـة أكـثـر , والمثقـف

الـعـربـي مـولـع ٌ بالأسـئـلـة بـطـبـعـه , أكـثـر بـكـثـيـر مـن اهـتـمـامـه

بالأجـوبـة . ( اسـتـطـراد لا مـعـنـى لـه ) : يــُـذكــّـرنـي هـذا مـن بـاب

الـنـكـتـة , بـإحـدى ــ ردحـيـّـات ــ هـالـة سـرحـان فـي أحـد بـرامـجـهـا

الـعـظـيـمـة , حـيـن اعـتـمـدت فـقـرة لـسـؤال عـنـوانـه ــ مـاذا لـو ــ

و كـانـت تـسـأل عـبـاقـرة الـفـن الـعـربـي الـذيـن كـانـت تـسـتـضيـفـهـم

أسـئلـة تـقـتـرب مـن هـذا الـشـكـل : مـاذا لـو وقـعـت الـسـمـاء فـجـأة

فـوق رأسـك , و خـانـتـك الأرض و اخـتـفـت مـن تـحـت قـدمـيـك

و ظـهـرت فـي الأفـق فـتـاة جـمـيـلـة و قـالـت لـك : إمـّـا أن تـتـزوّجـنـي

الاّن أو سـأشـرب الـمـحـيـط الـهـنـدي ؟ مـاذا تـفـعـل فـي هـذه الـحـالـة ؟

فـيـجـيـب الـفـنـان الـعـربـي الـحـسـّـاس و الـمـمـّيـز : حـصـلـت مـعـي

مـرتـيـن !! . فـتـضـجّ الـقـاعـة بالـتـصـفـيـق , و تـلـتـهـب أكـفّ وخيالات

الـمـشـاهـديـن فـي الـبـيـوت , الـذيـن يـؤمـنـون حـتـى الـنـخـاع , أنّ

الـفـنـان أو الـمـثـقـف الـعـربـي الـمـشـهور ( حـكـمـاً ) هـو عـلـى

كـل شـيء قـديـر , ويـمـكـن أن يـحـصـل لـه مـا لا يـحـصـل ( للـعـامـّة )

و هـو يـعـرف أمـوراً لا يـعـرفـهـا هـؤلاء الـمـسـاكـيـن الـمـدعـوّيــن

الـدائـمـيـن لـلـتـفــرّج عـلـى خـيـبـتـهـم و عـلـى جـريـمـة وجـودهــم

عـلـى هـذا الـنـحـو .

قــرأت الـيـوم مــقـالاً لــلـكـاتـب الأســتـاذ نـجـوان درويش فـي

جـريـدة الأخـبـار الـلـبـنـانـيـة
. عـن الـمـثـقـفـيـن و المشاهير الـعـرب

الـذيـن وقـّـعـوا عـلـى عـريـضـة أو وثـيـقـة ( أيــّاً يـكـن ) كـتـبــهـا

أو بـادر بـهـا فـنــّـان اسـرائـيـلـي حـول الـسـلام الـمـنـشـود بـيـن

الـعـرب و الـصـهـايـنـة , و تـشـيـر الـعـريـضـة بشكل واضـح ( حسب

الأستاذ درويش ) إلـى أن الصراع ( لا الإحتلال ) قـد بـدأ سـنـة

1967 و يـعـرض الـمـوسـيـقـار و صـحـبـة رؤيـتـهـم ( أي تـواقيعهم )

الـمـثـالـيـّـة لـلـسـلام و حـق الـشـعـبـيـن بالـعـيـش جـنـبـاً إلـى جـنـب

بـسـلام . ذكــّـرنـي هـذا طـبـعـاً " بـوثـيـقـة جـنـيـف " الـتـي هـبّ

لأجـلـهـا مـشـاهـيـر السياسة و الـثـقـافـة الـعـرب و تـعـشــّـوا هـنـاك

فـي جـوّ حـمـيـمـيّ و كـتـبـوهـا و زيــّـلـوهـا بـأخـتـامـهـم الـشريفة

و كـانـت الـوثـيـقـة تـغـفـل بشكل تـام أيّ ذكـر للاجـئـيـن الفلسطينيـين

و تـعـتـبـرهـم كــأنـهـم مـا كـانـوا و لا وُجــدوا .

كــنــتُ كـمـواطـن عـربـي يـعـيـش جـريـمـتـه سـاعـة بـسـاعـة , قـد

دعـوت فـي مـقـال سـابــق إلـى الـثـورة عـلـى ( الـمـثـقـفـيـن الـعـرب)

قـبـل كـلّ شـيء , لـتـحـريـر الـعـقـل الـعـربـي مـن هـذه الـفـانـتـازيــا

الـغـريـبـة , الـتـي تـأخـذنـا مـن خـيـال إلـى خـيـال كـكـومـبـارس فـي

إحـدى روايـات " ســرفـانـتـس " يــُـعـمـيـنـا فـيـهـا بـريـق الـشـهـرة

و الـضـوء الـمـنـبـعـث مـن وجـوه مـشـاهـيـر الـثـقـافـة الـعـربـيــّـة .

و الاّن .. كـلّ مـا أرجـوه مـن هـؤلاء الـمـشـاهـيـر الـعـرب , هـو أن

يـبـتـعـدوا قـدر الإمـكـان عـن مـسـرح الـجـريـمـة , فـمـنـظـر دمـائـنـا

يـصـبـح صـارخـاً و مـؤلـمـاً أكـثـر تـحـت أضـواء الـشهرة الـسـاطـعـة .

لا تـعـبـثـوا بـأدوات الـجـريـمـة , كـي لا تـتـحـوّل جـريـمـة وجـودنـا

الـعـربـي هـذا إلـى طـاعـون يـرفـض الـنـاس فـي أقـاصـي الأرض

الإقــتـراب مـنـه مـخـافـة الـعـدوى , ابـقـوا بـعـيـداً فـي فـضـاءاتـكـم

الـهـادئـة الـجـمـيـلـة , حـيـث لا جـرائـم و لا دمـاء . أو هـكـذا خــُـيـّـل

لـكـم .


جــو غــانــم

11