الحديث عن رفض العالم و العرب أيضاً ( مع أنهم خارج العالم
و خارج التاريخ و خارج الزمن ) لديمقراطية الشعب الفلسطيني
التي أوصلت حماس إلى السلطة , و خرس و صمت و عدم جرأة
هذا العالم على الـتـفـوّه بـبـنـت شـفـة , عندما ( ينتخب ) الصهاينة
أعتى عتاة الإجرام و التطرف و دعاة القتل و التهجير و العنصرية .
أصبح حـديثاً قديماً و لا طـائل من تـكـراره .
مـا يـشـغـلـنـي و يـحـيـّـرني دائماً , هـو الـصـلـف الصهيوني و العنجهيّة
التي لا مثيل لها , و تـحـدّيهم للعالم أجمع جهاراً نهاراً دون أن يقيموا
وزناً لشيء أو لأحد , هذا من جهة , و من جهة أخرى , هذا العجز
و الجبن و الإستسلام العربي الرسمي و الشعبي و التسليم لدينا نحن
العرب , بـأننا عاجزون عن أيّ شيء و عن كلّ شيء , و أنّ كـلّ
مـا نريده و نطمح إليه , هو أن يـتـكـرّم علينا الصهاينة بـانتخاب
مجرم يقـتل ألـفـاً منا كلّ سنة , بـدل من مجرم يقـتل ثلاثة اّلاف .
أو مجرم يـقـتـلـنـا و يصادر ما تـبـقى من أراضينا , بصمت .
أيّ دون أن ( يـجـرّصـنـا ) على الملأ و يتـحـدّانا على شاشات التلفاز .
و بـكـل الأحوال , نـحـن , سـنـعـلـن الأسى و الحزن , و الإعجاب
من جهة أخرى , بالديمقراطيّة الصهيونية التي تــُـوصـل حارس
ملهى ليليّ خليع و موبوء و معتوه إلى السلطة , هـكـذا يقول
بعض المثقفون العرب , يــُـعـيـّـروننا بأنّ الصهاينة يستطيعون
إيصال مجرمين و عاهرات إلى السلطة و نحن لا نستطيع !!
فـي الحقيقة , نحن من يوصل هؤلاء المجرمون و تلك العاهرات
إلى السلطة في فلسطين المحتلة , و ليس الصهاينة .
إنّ عجزنا و ضعفنا و جبننا و سكوتنا و رضوخنا لحكّام
أجبن مـنـّـا أمام الغريب , و أشجع مـنـّـا علينا و أمامنا .
هـو مـا يجعل الصهاينة يـُـجـرّبون فينا كـل عـيـّـنـات العهر و الإجرام
الصهيوني , من بن غوريون إلى ليبرمان و ليفني ( كان العرب
سيشعرون بالراحة و الفرح لو أنّ ليفني استطاعت تشكيل وزارة
يا للسخرية ) . و المضحك المبكي , أنّ ليفني نفسها صـرّحت
( بـفـخـر ) أنّها مارست " الـبـلـطـجـة " علينا في غـزّة , و نحن
قبلنا هـذه البلطجة بطيب خاطر , و زعـلـنـا زعلاً شديداً ( مش
حزن , انتبه ) لأن البلطجيّة ليفني لم تستطع أن تحصل على رئاسة
الوزارة . لأن منظرنا سيبدو بشعاً و نحن نستقبل ليبرمان في
بلداننا و قصورنا العربية , لأنه ( سيبهدلنا ) في بيوتنا , أما
ليفني فهي بكلّ الأحوال , امرأة , و قـد عـُـرف عنا نحن العرب
خجلنا الشديد و ( تـرفـــّـعـنـا ) أمام المرأة , إلا إذا كانت امرأة
عربية بالطبع . لـذلك , سيشفع لنا الشعب ( العظيم ) حين نـعـامل
لـيـفـنـي بـرقــّــة , حتى و هي تمارس البلطجة علينا ( إنها امرأة
يـا رجل ــ ضع خـطـّـين تحت كلمة يا رجل ) .
في مراحل بحثي المتواضع عن سبب الصلف الصهيوني الغريب
و العجيب و الذي لا نهاية و لا حدود له , وصـلـت إلى مـا تـيـسـّر
لـي من ( حكمة القابالاه ) اليهودية الصهيونية . و وجدت أنّ
إخضاع الصهاينة للبشر و إيمانهم بفكرة السيطرة المطلقة
عليهم و معاملتهم أسوأ معاملة , أمر بسيط جداً مقابل ما يؤمن
به هؤلاء من خلال ( القابالاه ) , و كـنـت أستغرب كثيراً
و أنا أقرأ التاريخ ( تاريخ الأديان خصوصاً ) الإبتزاز
و العنجهيّة التي عامل بها عتاة اليهود , الأنبياء و وضعوا
شروطهم عليهم و على الإله الـذي أرسلهم . لـكـنـي لـم
أعـد أستغرب سـبـب إيمان الصهاينة أنهم شـعـب أو
عرق أو جنس فريـد , هـذا صـحـيـح تـمـامـاً , هـم جنس
فريد فعلاً , لـكـنـه لم يكن كـذلك بالوراثة و الولادة , بـل
بالإرادة , و تستطيع صديقي القارئ أن تكون مثلهم من جـنس
فـريد حين تشاء ذلـك , عـلـيـك فـقـط أن تــُـقـنـع نـفـسـك
بـكـل مـا تريده و تـحـبـّـه , بمعنى , تستطيع أن تـقـنـع نفسك
الاّن , أنــك ضـفـدع , أو نـمـر , أو ثعلب , و تـتـصـرّف
كـالضفدع أو كالنمر أو الثعلب , و ينتهي الأمر , أنـت نمر
أو ثعلب , شاء من شاء و أبى من أبى ( و اللي مش عاجبه
يشرب من البحر الميت على رأي المرحوم أبو عمار ) .
أقـنـع نـفـسـك أنـك فـريـد من نوعك , و أنك قـادر على كـلّ شيء
و أنك أذكى و أنبل المخلوقات و أجملها , و اذهب و افعل ما تشاء .
أنت كـذلك مـا دمـت مـقـتـنـعاً بـذلك . و تــَـعـامَـل مـع الـنـاس
عـلـى هـذا الأساس , و لا تـنـتـظـر أن يـقـتـنـعـوا بـمـا أنـت
عـلـيـه ( في خيالك ) . بـل افـرض عليهم ذلك . بـقـوّة الـذراع .
في ( القابالا ) هـنـاك تـسـاو ٍ بين الإنسان و الإله , و الإله
ليس أفضل أو أقوى من الإنسان , بل مـسـاوٍ و مواز ٍ له .
و يستطيع الإنسان أن يـفـرض ( بالـبـلـطـجـة ) على الإله
مـا يشاء و يريد . هـذا إيمان عميق و حقيقي في ( الحكمة
الصهيونية ــ القابالا ) و ليس مجرّد كلام فارغ . و حاخامات
القابالا هم من يسيطر و يـديـر المسألة الصهيونية , و لهم
سطوتهم و نفوذهم على كلّ شيء , على عكس رجال الدين
المسيحيين و المسلمين , المساكين , الـذيـن يـُديـرهم ( بمعظمهم )
سياسيون فـاشلون لا قضيّة لهم سوى الكرسي . بـل إنّ رجل
الدين المسيحي و المسلم الجيّد في هـذا الزمان , يـتـحـوّل إلى
( درويش ) مـا إن تـحاول أخـذ رأيه بقضيّة مصيرية , حـتـى
ينهرك قـائـلاً أنّ هـذه المسائل الدنـيويّة لا تهمّه و أنه مـتـرفــّـع
عن هـذه الصغائر ( و أهله يـُـذبحون أمامه ) , و يصبح كـالواقـف
في الهواء , لا هو بقي على أرضٍ و لا بـلـغ السماء .
طـبـعـاً أنـا لا أطلب و لا أريد من رجال الدين هؤلاء أن يصبحوا مثل
أولئك الحاخامات , يكـفـيـنـا مـصـائـب , و بـعـيـداً عـن القابالا
و خزعبلاته , أتـمـنـى مـن العرب الـذيـن أقـنـعـوا أنـفـسـهـم أنهم
أرانـب , و يـتـصـرّفـون كـالأرانـب , أن يـقـنـعـوا أنـفـسـهـم أنهم
أسـود , أن يـتـصـرفـوا مـع الصهاينة كـالأسـود , عـنـدهـا قـد
يـدرك الصهاينة أنهم أرانـب , لأنهم أرانب في الحقيقة , كان صراخهم و عويلهم
يملأ الوديان في جنوب لبنان , وهم أجبن مقاتلي العالم في الميدان , لذلك يحاولون
دائماً حسم معاركهم من الجوّ بقصف المدن و القرى و قتل أكبر عدد من الناس
لزرع الرعب في القلوب , لذلك صرّح باراك علانية عن خشيته مما أسماه
توازن قوى و توازن رعب مع حزب الله , تخيّل أن هذا الكيان المدجج بالسلاح
و الدعم اللامحدود من القوى العظمى , يشتكي من توازن قوى و رعب في الميدان
مع بضعة اّلاف من المقاتلين هم في الحقيقة مزارعون و طلبة جامعات يقاتلون
و يعودون إلى بيوتهم و مزارعهم و جامعاتهم , لكن الفرق هنا أنّ هؤلاء
الفتية اّمنوا بقدرتهم و بقوتهم و بقضيتهم و وثقوا بأنفسهم و لم يعيشوا
و يتصرفوا كالنعاج .
مشكلتنا نحن العرب هي مع أنفسنا أولاً قبل أن تكون مع أحد اّخر, وحـين نحـلّ
مشاكلنا الـنـفـسـيـّـة الـمـزمـنـة هـذه , و نـتـصـرّف كــشـعــب قـــادر عـلـى
الحياة بكرامـة يستحقها و يملك مقوماتها , حـيـنـهـا , ستصبح مشاكلنا
مع أولئك الصهاينة , بسيطة جداً . و سـهـلـة الـحـلّ .و سيقـتـنع الصهاينة
وقتها أنهم بـشـر عـاديـون , لا يـمـيـّزهم عن غيرهم من البشر أيّ شيء
سـوى أنـهـم مـجـانـيـن و يـحـتـاجـون لـعـلاج نـفـسـي .. فـقـط .
جــو غـانـم