الأربعاء، 4 مارس 2009

طريق العودة نحو الأمام




لـم تـعـد الـحـالة السياسية الرسمية العربية تـثـيـر السخرية

و الـغـثـيـان فــقــط . بـل إنها تـثـيـر في النفس أموراً

لم يـعـد ممكناً التعبير عنها . الحالة عصيّة على الشرح

و التعبير من قـِبل المواطن العربي العادي الذي لا يزال

يملك بقيـّة عقل .

الصهاينة يسرقون ما تبقـّى من القدس في وضح النهار و أمام

العالم أجمع , و على مرمى حـجـر من مـقـارّ اجتماعات سـاسة

بني يعرب في شرم الشيخ . و يكشفون ( الصهاينة ) عن مخططات

لإنشاء عشرات ألوف الوحدات السكنيّة الإستيطانية في الضفة

الغربية و رام الله . في مرمى بـصـر ( الرئيس ) محمود عباس

و رفاقه الحريصون على منظمة التحرير الفلسطينية . التي لم

يعد أحد في هذا العالم سوى الله والضالعون في ( أوسلو ) يعرف

مالذي تريد هذه المنظمة تحريره .

يحصل كلّ هذا , و العرب الرسميون يردّدون سيمفونيات

السلام و التعايش و الألفة , في شرم الشيخ و غير شرم

الشيخ , كـأنهم يعيشون في عالم اّخر , أو يوهمون شعوبهم

( إن كانوا لا زالوا يتذكرون أن هناك شعوب موجودة) أن هناك

سلاماً قادماً . و أنّ ما بيننا و بين اسرائيل الاّن هو حالة عابرة

تشـبـه المناوشات التي تحدث بين الأخوة .

المثير للشفقة , هو التصريحات السرّية التي يـبوح بها هؤلاء

المسؤولون العرب لرفاقهم الصهاينة و الأمريكان ( الصهاينة أكثر

من الصهاينة أنفسهم ) و التي يكشفها هؤلاء فور وصولهم إلى تـل

أبيب . كما كان يفعل بيريز و ليفني أثناء هولوكوست غزة الأخير

حين كانا ( و غيرهما ) يقولان أن المسؤولين العرب أسرّوا لهم

أنه يريدونهم أن يقضوا على حماس نهائيا . و البارحة تذهب

السيدة المبتسمة دائما ( كلينتون ) إلى تلّ أبيب و تقول علناً

أن بعض المسؤولين العرب الذين كانوا مجتمعين في مصر قالوا

لها بكلّ وضوح أن إيران هي عدوتهم لا اسرائيل .

يا سبحان الله !!! اسرائيل لم تـعـد عـدوّاً .. أعتقد أنّ االإسرائيليين

يضحكون كثيراً على هذه النكتة ( المسؤولين العرب هم النكتة

التي يضحك عليها الاسرائيليين و ليس مسألة توصيف العلاقات

مع اسرائيل أو غيرها من قبل هؤلاء ـ المـُضحـِكون ـ ) .

يبدو أن اسرائيل لم تعد عدوّاً لأحد في الوطن العربي الكبير

سوى للفقراء من هذا الشعب العربي فقط . الفقراء الذين اجتمع

عليهم الطغاة و المحتليّن و انضمّت إلى هؤلاء , قوافل المثقفين

العرب الأشاوس الذين يحبّون الحياة ( بما أنهم استطاعوا إليها

سبيلا بطريقتهم ) و يؤمنون بالله و بالسلام و التعايش من

باب ( الليبراليّة ) .

الفقراء العرب ( و هم تسعون بالمائة من الشعب العربي ) تـُركوا

هم و ربّهم ليقاتـلوا . و لم يعد هؤلاء يعرفون من أين يجب أن

تبدأ معاركهم , و أين قـد تـنتهي .

لاحـظ عزيزي ( العربي الفقير و المسحوق ) أن المسؤولين الأمريكيين

و الأوربيين عندما يأتون إلى هذا الشرق . يقولون في مؤتمراتهم

الصحفية و تصريحاتهم في القصور العربية أنهم ( يدعمون حكومة

عباس . أو يدعمون حكومة السنيورة , أو يدعمون حكومة المالكي

إلى اّخره من الأشخاص الذي يختصرون أوطاناً بحالها عند الأمريكيين

و الغربيين ) أما عندما يذهب هؤلاء إلى اسرائيل . فأنت لا تسمع

أبداً كلاما كهذا .. بل هم يقولون بكلّ وضوح : ( نحن ندعم اسرائيل

نحن مع حق اسرائيل .. نحن مع أمن اسرائيل .. إلى اّخره و إلى

اّخر اسرائيل ) . حتى أن الرئاسة الفرنسية قررت أنها ستقاطع

مؤتمر ( العنصرية ) إذا ما تجرّأ ( ابن أنثى ) و تـفـوّه بكلمة

عن اسرائيل .

ألا يسأل الـمـواطـن العربي من المحيط إلى الخليج لماذا لا يكلـّف

هؤلاء الذين في الغرب , أنفسهم و ينظرون لنا نظرة احترام

تليق ( بكلب ٍ ) أجرب , ككلب بوش أو كذاك الكلب الذي قـُـتـل

في العراق فقامت الدنيا و لم تقعد في قلوب الأمريكيين الرحيمة ؟

بينما لم تهتز لهم شعرة أمام ملايين القتلى و الجرحى و المهجرين

من أهل العراق و فلسطين و لبنان ...

حين قمتُ و ستة من زملائي و زميلاتي من مختلف الأقطار

العربية بـإعداد وثيقة ( تفكيك الكيان الصهيوني ) كنت ( و سأبقى )

مؤمناً أنّ اسرائيل لا يمكن أن تستمر , ولا يمكن ( لدولة ) بهذا

النموذج أن تعيش .هذا ضدّ كلّ القوانين البشرية و قـوانـيـن الـطـبـيـعـة

أيضاً . اسرائيل ليست قوة عظمى سيأتي يوم و تضعف أو تـنـكـمـش

بل هي مسخ يملك عقلاً عنصرياً إجرامياً لا يمكن له أن يعيش بسلام

و مودة . كائن ٌ مريض نفسياً لا يمكن له أن يقبل الاخرين

أو يـتـقـبـّلهم , مهما تـغـنـّـى به دعاة السلام العرب و مهما

جمّله و ساعده محبّي الإحتلال و السيطرة من ديمقراطيي الغرب .

و كنت و لا زلت أؤمـن أنّ هذا المسخ ما كان له أن يتكوّن

و يتشكّل بهذه الهيئة لولا مساعدة الأنظمة العربية منذ

أوائــل القرن الماضي حتى الاّن , و بدرجة أكبر بكثير من

مساعدة القوى الإستعمارية و على رأسها بريطانيا . كان

يمكن لـبـلـفـور أن ( يـنـقـع ) وعده المكتوب و يشرب ماؤه

لولا تاّمر و تواطئ النظام العربي الرسمي الذي زاد تاّمره

و تواطئه درجات و درجات إلى أن أصبحت اسرائيل حليفاً

استراتيجياً لمعظم هذه الأنظمة . و إلى أن أصبح مقبولاً

علناً ( بفضل مـنـظــّري السلام العرب أيضا ) أن يـقـوم

بعض العرب , بمساعدة اسرائيل في عمليات إبادتها

للفلسطينيين جهاراً نهاراً .

اسرائيل ستـتـفـكـّك , لكنها لن تـتـفـكـّك دون عـنـاء

ولن تفكك نفسها خدمة للإنسانية ,يجب على هؤلاء الفقراء العرب

أن يدركوا أنّ الدعاء وحده لا يردّ الظلم و القهر و العدوان

و لا يستبدل الفقر بالعيش الكريم , و أنّ هذه الأنظمة ( الضامن

الرسمي و الأساسي لإسرائيل ) يجب أن تـخـاف و تـرتجف

أمام الشعب لا أمام عصابات بني صهيون في فلسطين المحتلة

و أمريكا , و أيضاً أن يعرف هؤلاء الفقراء أنّ الفكر الصهيوني

أصبح حقيقة في بعض القصور العربية , يحكمنا و يتحكّم بنا

بشكل مباشر , لا بالتبعية أو العمالة .

لن تـتـفـكـّك اسرائيل و لن يعيش العربي بكرامة , قـبـل أن يرفع

العربي المسحوق و المظلوم قبضته و يـُـعمـل عقله بذكاء

بـدل أن يظلّ تابعاً و مـُـتـلـقـيـّـاً و منتظراً التعليمات التي ترسم

له حياته و التي تقرّر له , كيف يعيش و متى يعمل و متى يمارس

الجنس مع امرأته , و متى ينجب أطفالاً و متى عليه أن يتوقف عن

الإنجاب .

الحياة الكريمة , و عودة الحقوق لأصحابها , و عودة الوضع السليم

لهذه المنطقة العربية بأسرها , يحتاج لشعب قوي ذكي يحترم

نفسه , و يحبّ الحياة الكريمة , لا الحياة الرخيصة التي نعيشها

الان كشعوب عربية و التي أنـِف منها سبارتاكوس منذ اّلاف السنين

و اختار أن يثور .

هـذا الشعب العربي بحالته الاّن , يحتاج لنهضة على كافة الأصعدة

و هذه النهضة لن يسمح بها هؤلاء الحكام الذين كان الجهل أساس

وجودهم و هو أساس بقائهم الاّن . هؤلاء الحكام الذين يروّجون

الاّن لكذبة العداء لإيران على أساس طائفي خبيث , لإلهائنا وصرف النظر

عن حقوقنا المغتصبة , و عن جرائم اسرائيل التي يندى لها جبين

البشرية , إذا ما كان هناك بقيّة باقيّة لبشريـّة تعتمد الإنسانية

و العقل عنواناً لبشريّتها , يميّزها عن غيرها من الكائنات .

يجب أن يتوقف هذا الإستغباء البشع للشعوب , و هو لن يتوقف

قبل أن تحارب الشعوب غبائها أولاً و أخيراً بالعلم و المعرفة

و احترام الذات و الإيمان بحقها في مكان تحت الشمس يـلـيـق

بـأمـّة عظيمة , لا أمـّة من التابعين و المستهلكين و المسحوقين

و العـبـيـد , أمة ( حمار أكاديمي و عشاق هيفا و تامر حسني ) .


جــو غـانـم



11