لـم تـعـد الـحـالة السياسية الرسمية العربية تـثـيـر السخرية
و الـغـثـيـان فــقــط . بـل إنها تـثـيـر في النفس أموراً
لم يـعـد ممكناً التعبير عنها . الحالة عصيّة على الشرح
و التعبير من قـِبل المواطن العربي العادي الذي لا يزال
يملك بقيـّة عقل .
الصهاينة يسرقون ما تبقـّى من القدس في وضح النهار و أمام
العالم أجمع , و على مرمى حـجـر من مـقـارّ اجتماعات سـاسة
بني يعرب في شرم الشيخ . و يكشفون ( الصهاينة ) عن مخططات
لإنشاء عشرات ألوف الوحدات السكنيّة الإستيطانية في الضفة
الغربية و رام الله . في مرمى بـصـر ( الرئيس ) محمود عباس
و رفاقه الحريصون على منظمة التحرير الفلسطينية . التي لم
يعد أحد في هذا العالم سوى الله والضالعون في ( أوسلو ) يعرف
مالذي تريد هذه المنظمة تحريره .
يحصل كلّ هذا , و العرب الرسميون يردّدون سيمفونيات
السلام و التعايش و الألفة , في شرم الشيخ و غير شرم
الشيخ , كـأنهم يعيشون في عالم اّخر , أو يوهمون شعوبهم
( إن كانوا لا زالوا يتذكرون أن هناك شعوب موجودة) أن هناك
سلاماً قادماً . و أنّ ما بيننا و بين اسرائيل الاّن هو حالة عابرة
تشـبـه المناوشات التي تحدث بين الأخوة .
المثير للشفقة , هو التصريحات السرّية التي يـبوح بها هؤلاء
المسؤولون العرب لرفاقهم الصهاينة و الأمريكان ( الصهاينة أكثر
من الصهاينة أنفسهم ) و التي يكشفها هؤلاء فور وصولهم إلى تـل
أبيب . كما كان يفعل بيريز و ليفني أثناء هولوكوست غزة الأخير
حين كانا ( و غيرهما ) يقولان أن المسؤولين العرب أسرّوا لهم
أنه يريدونهم أن يقضوا على حماس نهائيا . و البارحة تذهب
السيدة المبتسمة دائما ( كلينتون ) إلى تلّ أبيب و تقول علناً
أن بعض المسؤولين العرب الذين كانوا مجتمعين في مصر قالوا
لها بكلّ وضوح أن إيران هي عدوتهم لا اسرائيل .
يا سبحان الله !!! اسرائيل لم تـعـد عـدوّاً .. أعتقد أنّ االإسرائيليين
يضحكون كثيراً على هذه النكتة ( المسؤولين العرب هم النكتة
التي يضحك عليها الاسرائيليين و ليس مسألة توصيف العلاقات
مع اسرائيل أو غيرها من قبل هؤلاء ـ المـُضحـِكون ـ ) .
يبدو أن اسرائيل لم تعد عدوّاً لأحد في الوطن العربي الكبير
سوى للفقراء من هذا الشعب العربي فقط . الفقراء الذين اجتمع
عليهم الطغاة و المحتليّن و انضمّت إلى هؤلاء , قوافل المثقفين
العرب الأشاوس الذين يحبّون الحياة ( بما أنهم استطاعوا إليها
سبيلا بطريقتهم ) و يؤمنون بالله و بالسلام و التعايش من
باب ( الليبراليّة ) .
الفقراء العرب ( و هم تسعون بالمائة من الشعب العربي ) تـُركوا
هم و ربّهم ليقاتـلوا . و لم يعد هؤلاء يعرفون من أين يجب أن
تبدأ معاركهم , و أين قـد تـنتهي .
لاحـظ عزيزي ( العربي الفقير و المسحوق ) أن المسؤولين الأمريكيين
و الأوربيين عندما يأتون إلى هذا الشرق . يقولون في مؤتمراتهم
الصحفية و تصريحاتهم في القصور العربية أنهم ( يدعمون حكومة
عباس . أو يدعمون حكومة السنيورة , أو يدعمون حكومة المالكي
إلى اّخره من الأشخاص الذي يختصرون أوطاناً بحالها عند الأمريكيين
و الغربيين ) أما عندما يذهب هؤلاء إلى اسرائيل . فأنت لا تسمع
أبداً كلاما كهذا .. بل هم يقولون بكلّ وضوح : ( نحن ندعم اسرائيل
نحن مع حق اسرائيل .. نحن مع أمن اسرائيل .. إلى اّخره و إلى
اّخر اسرائيل ) . حتى أن الرئاسة الفرنسية قررت أنها ستقاطع
مؤتمر ( العنصرية ) إذا ما تجرّأ ( ابن أنثى ) و تـفـوّه بكلمة
عن اسرائيل .
ألا يسأل الـمـواطـن العربي من المحيط إلى الخليج لماذا لا يكلـّف
هؤلاء الذين في الغرب , أنفسهم و ينظرون لنا نظرة احترام
تليق ( بكلب ٍ ) أجرب , ككلب بوش أو كذاك الكلب الذي قـُـتـل
في العراق فقامت الدنيا و لم تقعد في قلوب الأمريكيين الرحيمة ؟
بينما لم تهتز لهم شعرة أمام ملايين القتلى و الجرحى و المهجرين
من أهل العراق و فلسطين و لبنان ...
حين قمتُ و ستة من زملائي و زميلاتي من مختلف الأقطار
العربية بـإعداد وثيقة ( تفكيك الكيان الصهيوني ) كنت ( و سأبقى )
مؤمناً أنّ اسرائيل لا يمكن أن تستمر , ولا يمكن ( لدولة ) بهذا
النموذج أن تعيش .هذا ضدّ كلّ القوانين البشرية و قـوانـيـن الـطـبـيـعـة
أيضاً . اسرائيل ليست قوة عظمى سيأتي يوم و تضعف أو تـنـكـمـش
بل هي مسخ يملك عقلاً عنصرياً إجرامياً لا يمكن له أن يعيش بسلام
و مودة . كائن ٌ مريض نفسياً لا يمكن له أن يقبل الاخرين
أو يـتـقـبـّلهم , مهما تـغـنـّـى به دعاة السلام العرب و مهما
جمّله و ساعده محبّي الإحتلال و السيطرة من ديمقراطيي الغرب .
و كنت و لا زلت أؤمـن أنّ هذا المسخ ما كان له أن يتكوّن
و يتشكّل بهذه الهيئة لولا مساعدة الأنظمة العربية منذ
أوائــل القرن الماضي حتى الاّن , و بدرجة أكبر بكثير من
مساعدة القوى الإستعمارية و على رأسها بريطانيا . كان
يمكن لـبـلـفـور أن ( يـنـقـع ) وعده المكتوب و يشرب ماؤه
لولا تاّمر و تواطئ النظام العربي الرسمي الذي زاد تاّمره
و تواطئه درجات و درجات إلى أن أصبحت اسرائيل حليفاً
استراتيجياً لمعظم هذه الأنظمة . و إلى أن أصبح مقبولاً
علناً ( بفضل مـنـظــّري السلام العرب أيضا ) أن يـقـوم
بعض العرب , بمساعدة اسرائيل في عمليات إبادتها
للفلسطينيين جهاراً نهاراً .
اسرائيل ستـتـفـكـّك , لكنها لن تـتـفـكـّك دون عـنـاء
ولن تفكك نفسها خدمة للإنسانية ,يجب على هؤلاء الفقراء العرب
أن يدركوا أنّ الدعاء وحده لا يردّ الظلم و القهر و العدوان
و لا يستبدل الفقر بالعيش الكريم , و أنّ هذه الأنظمة ( الضامن
الرسمي و الأساسي لإسرائيل ) يجب أن تـخـاف و تـرتجف
أمام الشعب لا أمام عصابات بني صهيون في فلسطين المحتلة
و أمريكا , و أيضاً أن يعرف هؤلاء الفقراء أنّ الفكر الصهيوني
أصبح حقيقة في بعض القصور العربية , يحكمنا و يتحكّم بنا
بشكل مباشر , لا بالتبعية أو العمالة .
لن تـتـفـكـّك اسرائيل و لن يعيش العربي بكرامة , قـبـل أن يرفع
العربي المسحوق و المظلوم قبضته و يـُـعمـل عقله بذكاء
بـدل أن يظلّ تابعاً و مـُـتـلـقـيـّـاً و منتظراً التعليمات التي ترسم
له حياته و التي تقرّر له , كيف يعيش و متى يعمل و متى يمارس
الجنس مع امرأته , و متى ينجب أطفالاً و متى عليه أن يتوقف عن
الإنجاب .
الحياة الكريمة , و عودة الحقوق لأصحابها , و عودة الوضع السليم
لهذه المنطقة العربية بأسرها , يحتاج لشعب قوي ذكي يحترم
نفسه , و يحبّ الحياة الكريمة , لا الحياة الرخيصة التي نعيشها
الان كشعوب عربية و التي أنـِف منها سبارتاكوس منذ اّلاف السنين
و اختار أن يثور .
هـذا الشعب العربي بحالته الاّن , يحتاج لنهضة على كافة الأصعدة
و هذه النهضة لن يسمح بها هؤلاء الحكام الذين كان الجهل أساس
وجودهم و هو أساس بقائهم الاّن . هؤلاء الحكام الذين يروّجون
الاّن لكذبة العداء لإيران على أساس طائفي خبيث , لإلهائنا وصرف النظر
عن حقوقنا المغتصبة , و عن جرائم اسرائيل التي يندى لها جبين
البشرية , إذا ما كان هناك بقيّة باقيّة لبشريـّة تعتمد الإنسانية
و العقل عنواناً لبشريّتها , يميّزها عن غيرها من الكائنات .
يجب أن يتوقف هذا الإستغباء البشع للشعوب , و هو لن يتوقف
قبل أن تحارب الشعوب غبائها أولاً و أخيراً بالعلم و المعرفة
و احترام الذات و الإيمان بحقها في مكان تحت الشمس يـلـيـق
بـأمـّة عظيمة , لا أمـّة من التابعين و المستهلكين و المسحوقين
و العـبـيـد , أمة ( حمار أكاديمي و عشاق هيفا و تامر حسني ) .
جــو غـانـم