كـنـت قـد نـسـيـت الـكـثـيـر مـن الأحـداث الـتـي كـتـب عـنـهـا
وزيـر الـخـارجـيـة الـمـصـري الأسـبـق " مـحـمـد ابـراهـيـم
كـامـل " فـي مـذكـّـراتـه حـول " كـامـب ديـفـيـد " و الـتـي
قـرأتـهـا فـي بـدايـة تـسـعـيـنـات الـقـرن الـمـاضـي . إلـى
أن تـسـنــّـت لـي الـفـرصـة فـي الـفـتـرة الأخـيـرة لـلـغـوص
مـجـدّداً ـ و عـمـيـقـاً هـذه الـمـرّة ـ فـي الـعـديـد مـن الـكـتـب
و الـنـشـرات و الـبـرامـج الـتـي تـتـحـدّث عـن الـمـعـاهـدة
الـمـشـؤومـة , سـواء مـن عـَـرض منهم للأحداث كما هي
بطريقة الـمـذكــّـرات , أو مـن حـلـّـل و نـاقـش أو مـن فــنــّد
و هـاجـم و عـَـَرض حـجــّـتـه الـدامـغـة , أو مـن أيــّــد حـتـى
الـصـراخ , فـي مـحـاولـة لـتـلـمـيـع ذاك الـعـهـد و تـبـيـان عبقريّـته
عـلـى طـريـقـة ( هـنـا شـقـلـبـان , مـحـطـّة إذاعـة حـلاوة زمـان )
و نـسـي أنّ ( الـمـخـبـّي ظـهـر و اسـتـبـان ) .
بـعـيـداً عـن الـنـصـوص , و الـتـي أبـدع الـراحـل الـدكـتـور عـصمت
سـيـف الـدولـة فـي تـشـريـحـهـا ( و سـلـخ جـلـدهـا ) . و بـعـيـداً
عـن تـوبـة كـارتـر ( و روزالـيـن طـبـعـاً ) و انـتـبـاهـه أخـيـراًً أنّ
سـلامـاً لـم يـحـدث سـوى ذاك السلام بالأيـدي بـيـن بـيـغـن و الرئيس
الـمـؤمـن و بـيـنـه ( السادات سـبـق كـارتـر فـي إلـتـفـاتـه للإيمان و لو
بـالـلقب ) . و بـعـيـداً عـن الـجـدل الـدائـر , و الـذي سـيـظـلّ دائـراً
لـعـقـود , حـول المعاهدة و جـدواهـا و إمـكـانـيـّـة إلـغـائـهـا أو ضرورة
الـتـمـسـّـك بـهـا . أرى أنّ هـذه الـمـعـاهـدة هـي فـريـدة مـن نـوعـهـا
فـي الـتـاريـخ , إذ أنـهـا الـمـعـاهـدة الـوحـيـدة الـتـي تـعـقـدهـا جـهـة
مـع نـفـسـهـا و لـنـفـسـهـا و بـنـفـسـهـا , ثـم تـلـغـيـهـا و هـي
تـفـاوض عـلـيـهـا و قبل و بـعـد أن تـوقــّـعـهـا , إذ أنّ الـقـارئ لـنـصـوص
هـذه المعاهدة و ملحقاتها و الـمـتـابـع للأحـداث أثـنـاء و بـعـد الـتـوقيع
عـلـيـهـا بـيـن بـيـغـن ـ و بـيـغـن ـ و بـيـغـن . يـلـحـظ أنّ إسـرائـيـل
لـم تــُـنـفــّـذ بـنـداً هـامـاً واحـداً من هـذه المعاهدة , سـوى إعـادة
صـحـراء سـيـنـاء ( صـوريـاً ) كـي تـأخـذ ثـمـن ذلـك نـفـطـاً و غـازاً
و عـبـور مـمـرات بـحـريـّـة و قـطـع يـد ( و لـسـان ) مـصـر ( الرسميّة )
عـن إسـرائـيـل إلى الأبد ( يـُـذكـّـرنـا الـكـاتـب الـرائـع بـلال فـضـل فـي
إحدى محاولاته الدائمة لـنـفـض ذاكـرتـنـا , بـأنّ إسـرائـيـل اشـتـرطـت
عـلـى الحكومة المصرية عقب كامب ديفيد , إيـقـاف بـرنـامج إذاعـي
لـلـكـاتب الكبير محمود عـوض كـان يـفـضـح فـيـه هـذا الكيان العنصري
المسخ ) .
بـحـثـت دون جـدوى عـن أيّ فـائـدة حـقـيـقـيـة عـظـيـمـة لـمـصـر فـي
هـذه المعاهدة فـلـم أجـد , و أنـا أتـكـلــّم عـن مـصـر ( مصر التي في خاطرنا
جميعاً ) أمـّا عـن تـجـنـّـب الحروب إلى الأبد من خلال هـذه المعاهدة .
فالعارف ( و لو بقدر ضئيل ) للنظام المصري السابق و الحالي الـذي
هـو امتداد ( صـنـاعـيّ ) لسابقه , لـم يـكـن سيحارب في يوم من الأيام
و لـم تـكن حـرب تـشـريـن المجيدة الـتـي اسـتـبـسـل فـيـهـا الجندي
المصري و شقيقه السوري سوى مـلـحـمـة شـعـبـيـّـة حـقيقية مـن أروع
مـلاحـم البطولة و التضحية و الفداء , نـعـم , هـي حـرب شعبـيّة في
المقام الأوّل و الأخير , فـذاك الجـندي , ابن هـذا الشعب الـذي كـان
يـغـلـي طـالـبـاً الـثـأر لـكـرامـتـه الـمـهـدورة فـي 67 , كـان
يـتـحـسـّـس زنـاد بـنـدقـيـّـتـه كـبـدويّ يـرى قـاتـل شقيقه أمـام
عـيـنـيـه و لـم يـعـد يـُـطـيـق صـبـراً , كـأنـّـه يـقـول ( لـصـاحـب
الـرأي الأخـيـر ) : إمـّـا أن أطـلـق الـنـار عـلـى عـدوّي الاّن
أو أطـلـق النار عـلـى نـفـسـي و أسـتـريـح , هـذا مـا كـان عليه
حـال الشعب و الجيش ابـن الشعب .و كـان عـلـى القيادة السياسية
أن تـعـلـن الحرب و تـخـوضـهـا وفـق خـطـّـة أو خـطـط , كـان مـنـها
مـا لـم يـكـن مـعـلـومـاً لأحـد سـوى ( لـكـبـيـر الـعـائـلـة ) بـل تـمّ
خـداع القيادة السورية بـإعـطـائـهـم خـطـــّـة ( سـاداتـيـّـة ) وهميّة
كـان مـُـقـرّراً سلفاً أنها لـن تـرى الـنـور , يـقـول الـفـريـق سعـد
الـديـن الشاذلـي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية و أحـد
أبطال هـذه الحرب ( بـل أبطال العرب ) الشرفاء عـن هـذا الأمـر بـعـد
أن أخبره وزير الحربية أنّ هناك خطة وهمية لن تـُـنـفـذ سـتـعـرض
على السوريين لإقناعهم بدخول الحرب( ثم تركهم وحدهم في المعركة في
النهاية ) :
( لـقـد كـنـت أشـعـر بالإشمئزاز من هـذا الأسلوب الذي يتعامل بـه السياسيون
المصريون مـع إخوتـنا السوريـيـن , لكني لـم أكـنْ لأستطيع أن أبـوح بذلك
للسوريين , و قـد تـردّدت كثيراً و أنا أكـتـب مـذكـّـراتـي , هـل أحـكـي هـذه
القصّة أم لا ,و بـعـد صـراع عـنـيـف بيني و بين نفسي قـرّرت أن أقـولـهـا
كـلـمـة حـقّ لـوجـه الله و الوطن , إنّ الشعوب تـتـعـلـّـم مـن أخطائها , و مـن
حـق الأجيال العربية القادمة أن تـعـرف الـحـقـائـق , مهما كـانت هـذه الحقائق
مـخـجـلـة ) .
لـقـد كـانـت حـرب الـجـيـش و الشعب , و حـرب أخـرى هـي حـرب السادات
وحـده , فـإن انـتـصـر الجيش و الشعب , أخـذ السادات كـلّ المجد
و أصـبـح بـطـل الـحـرب , و مـن ثمّ يـمـكـن لـه أن يـتـمّ مـعـركـتـه
الشخصيّة الحقيقية الأخرى , لـيـصـبـح بطل السلام أيضاً , أمـّا إن
خـسـر الـجـيـش و الشعب في معركتهما ضـد العدوّ , فـسـيـُـلـقـى
الـلـوم عـلـى قـادة الجيش و سـيـذهـب الكثير منهم كـبـش ( أو أكباش )
فـداء عـلـى مـذبـح الـقـائـد الـذي لـم يستطع قـادة جيشه أن يـبـلـغـوا
فـي الميدان عـبـقـريـتـه فـي السياسة . ( كـان الـضـبـاط يـتـهـامسون
بـهـذا الأمـر فيما بينهم و يصفون الوضع على هـذا النحو تماماً و يعلمونه
كما حـدث ـ راجع مـذكرات الشاذلي ) .
تـوقـفـت الحرب حـيـن قـرر لـهـا السادات أن تـتـوقــّـف ( بالنيابة عـن
كـيـسـنـجـر ) , و بـدأت مـعـركـة مـجـد السادات الشخصيّ بالـذهـاب
إلـى كـامب ديفيد و إلى الكنيست الإسرائيلي . و تمـّـت مـعـاهـدة كـامـب
ديـفـيـد تـحـت عـنـوان لـم يـُـعـرض عـلـى الشعب ( العنوان الحقيقي ــ
و لا التفاصيل عـُـرضـت ) و الـعـنـوان الـذي أصـبـح مـتـداولاً عـلـى ألـسـنـة
أعـضـاء الـوفـد المصري في كـامـب ديفيد هو ( عـلـشـان خـاطـر كـارتـر ) .
يـقـول مـحـمـد ابـراهـيـم كـامـل : ( كـلّ شـيء ضـد المصالح العربـيـّة
كـان يـوافـق عـلـيـه السادات و يـُـدرج تـحـت عـنـوان : عـلـشـان خـاطـر
كـارتـر ) . ثـم يـُـضـيـف ابـراهـيـم فـيـمـا بـعـد : ( وقــّـع السادات في النهاية
عـلـى مـا لـم يـكـن يــُـراود الإسرائيليـون حـتـى فـي أحـلامـهـم ) . بـيـنـمـا
قـال السادات بـنـخـوتـه الـعـربـيـّـة ( الـعرب الذين تـنـصـّـل منهم وأصبح
يسخر منهم فيما بـعـد ) : " ســأوقــّـع عـلـى أيّ حـلّ يـرتـضـيـه كـارتـر "
و لا أدري لـمـاذا لـم يـخـطـر للسادات أن يـوقــّـع عـلـى حـلّ يـرتضيه
الشعب المصري . ( ارتضى مجلس الشعب المصري حلّ كارتر فيما بعد
دون أن يعلم عنه شيئاً و دون أن يقرأ صفحة واحدة من نصوص هذه
المعاهدة في مسرحيّة نيابـيـّة عربيّة بـإمتياز ) .
كـان بـيـغـن يـقـف إلـى جـانـب السادات و يـقـول مشيداً بـكـارتـر :
( إنّ الجهد الـذي بـذلـه كـارتـر يـفـوق الـجـهـد الـذي بـذلـه " أجـدادنا "
عـنـدمـا بـنـوا الأهـرامـات ) لـقـد كـان بـيـغـن ( يـبـول ) عـلـى المعاهدة
في نفس اللحظة التي يـحـتـفـل فيها مع كارتر و السادات , فالـذي يـعـرف
الصهاينة جيداً , لا يـمـكـن أن له ( يـُـمـرّر ) كـلـمـة ( أجـدادنـا , الذين
بنوا الإهرامات ) مـرور الـكـرام , و في الحقيقة , أنـا سمعت هـذا الجزء
من كلام بيغن لأوّل مـرّة البارحة في برنامج وثـائقيّ . وكـأنّ بـيغن
يقول للسادات ( الـذي كان يحلو له أن يـتـشـبـّه في مظهره الخارجي
بفرعون من فراعنة مصر و هو يـتـأبـّـط عصاه ) أنّ هـذه الأهرامات
التي يفخر بها الشعب المصري و هـذه الحضارة العريقة , هي حضارتنا
نـحـن .
و رغم أن السادات ( و معاهدته ) تـكـلـّـم كثيراً وقـتها عن الحقوق العربية
و أنّ أيّ سلام لا معنى له إلاّ بـإرجاع كلّ الحقوق العربيّة , إلاّ أنّ بيغن
و بعد يومين فقط من لقاء له مع السادات , أرسـل طـائـراتــه الـ اف 16
إلـى العراق لـتـقـصـف مركز الأبحاث النووي في العراق ( هـذا يـُـذكـّرنا
بـلـقـاء لـيـفـنـي الأخير مع مبارك و أبـو " غـيطـِـهِ " لـتـذهـب بعد
يـومين فقط و تـبـدأ هولوكوست غـزّة ) بـل إنّ بـيغن و هو قـائـد
عملية مجزرة دير ياسين الرهيبة , وقــّـع المعاهدة في ذكرى
هـذه المجزرة و بينما كانت طائراته تقصف منطقة الـدامـور في لبنان .
و كـانـت أثـنـاء أو تـتـبـع مـعـظـم لـقـاءاتهما , عمليّات استيطان و قتل
في فلسطين أو إجتياحات و قصف في لـبـنـان , و كـأنّ السادات في
عالم اّخر لا يرى و لا يسمع عمّا يفعله الصهاينة من حوله . كـان
السادات يعبر بينه و بين نفسه نحو مجده الشخصي كما خـُيـّل له
و الذي أوصله إلى نـوبـل , ثـم إلـى " الـمـنـصــّـة " بما لكلمة ( المنصّة )
من رمـزيــّـة في أدبياتنا المعروفة .( منصّة الشرف أو منصّة الإعدام ) .
لا أدري عـن أيّ حقوق عربيّة كـان يـتـكـلـّـم السادات طوال ذاك الوقت .
يـقـول كـارتـر أنّ بـيـغـن أبـلـغـه أن سيناء ستعود إذا تـعـهـّدت مصر
بـمـدّ إسـرائـيـل بالـنـفـط بـأسـعـار تفضيلية , فـعـرج كـارتـر عـلـى
القاهرة ( مـرقـة طريق ) و أخبر السادات بالأمر و وافق السادات في
الحال , لـيـتــّصـل كارتر هاتفياً بـبـيـغـن و يـخـبـره بـمـوافـقـة مصر
على الشروط الإسرائيلية . ( يقول الخبراء الاّن أنّ مصر تـخـسـر
يـومـيـّـاً 55 مليون جنيه جـرّأء بـيعها للغاز المصري لإسرائيل بهذا
السعر العجيب ) .
كـانـت إسـرائـيـل و لا تـزال , هـي المستفيد الوحيد و النهائي مـن
هـذه المعاهدة , و لـعـلّ أبـلـغ تـعـبـيـر قـيـل يومها بـعـد زيارة السادات
إلى الكنيست , جـاء كـعـنـوان عـلـى صـدر صحيفة التايمز البريطانية
يـقـول : ( وداعـاً لـلـتـضـامـن الـعـربـي ) , و لـعـلّ أكـبر مكسب
لإسرائيل , هـو خـروج مصر بـمـا تـمـثـّـلـه ( حتى و هي ضـعـيـفـة )
مـن المعادلة العربيّة , إلـى الأبـد , و تـحـوّلـهـا ( من خلال هذه المعاهدة )
لـشـرطـيّ كـلّ مـا هـو مسموح له أن يفعله هـو حماية ظهر و ( صـدر )
إسرائيل مـن كـلّ فلسطيني أو عربي ّ يـرفـع بـنـدقيته في وجه هـذا الكيان
العنصري الغاصب و غير الشرعي , أو عـلـى الأقـلّ سـتـقـف عـلـى الحياد
( مـثـل طـنـجـة في زمانها) , مـع أنـّـه وضـح جـلـيـّـاً في الحرب الأخيرة على
غـزّة أن مـصـر غير مسموح لها أن تقف على الحياد أبداً , و إيـّـاك أن يخطر
لك عزيزي القارئ أن معنى ذلك أن الإنحياز المسموح يمكن أن يكون
إلى جانب طرف عربي .
لـقـد ألـغـت إسـرائـيـل هـذه الإتفاقية مـنـذ لحظة توقيعها
بـأن انـتـهـكت كـلّ مـا كـان يتكـلـّم به السادات , عن غزّة
و الضفة و الأراضي العربية و ما إلى ذلك , نـاهيك عـن انتهاكها
للأجواء المصرية عندما تشاء ذلك ( و اّخرها فوق رفح , و ربما
حـلـّقت هذه الطائرات فوق الأراضي المصرية عندما ذهبت لتقصف
قـوافـل داخل الأراضي السودانية قبل أسابيع قليلة ) يحقّ لإسرائيل
كـمـا صـرّح أولمرت أن تذهب إلى أيّ مكان في هذا العالم و تضرب
ما ترى فيه تهديداً و لو بعيد الإحتمال لمصالحها , بينما أصرّ
الإسرائيليون على أن تـتـعهـّد مصر بعدم التوقيع على أي إلتزام
و عدم القيام بـأيّ فعل يعارض اتفاقية كامب ديفيد , و نسي السادات
أنّ هناك اتفاقيات دفاع مشترك بين مصر و الأقطار العربية تتعارض
كليّاً مع هذه المعاهدة , لـكـن الـعـرب كـانـوا اّخـر من يـفـكـّر السادات
بهم , و كـان تفكيره مـنـصـبـّاً على ما يريده " صديقه كارتر " و
" صديقه كيسنجر " و صديقه بيغن " و لـم يـبـقَ عـدوّ للعرب
و لمصالحهم و حقوقهم , إلاّ و أصبح " صديقاً" للرئيس المؤمن .
لـذلك إنّ هـذه المعاهدة لاغية و ملغاة من قبل اسرائيل , و هي تـُـبقي
على شكلها الخارجي لـحـبـس مصر داخل زنزانة كامب ديفيد اللعينة
و من الواضح أنّ هذا الأمر , يـروق للقيادة المصريّة السابقة و الحالية .
أمـّا مـا يـتـشـدّق بـه الاّن الـمـهـلـّـلـون لـلإتفاقية , بـأنّ العرب سـاروا
أخيراً على درب سـابق عصره و زمانه ( السادات ) يجب أن يـُـعملوا
عـقولهم قليلاً لـيـدركـوا المنطق البسيط الذي يقول , أنّ مـا فعله السادات
هـو مـا أوصلنا إلى هـذه الحالة , و أنه لم يكن مطلوباً منه أن يـحـارب
( حتى اّخر جندي مصريّ كما روّج كــَـتــَـبـتـه ) بـل إنّ حالة العداء
وحدها من جانب مصر , كـانـت ستفرض واقعاً اّخـر كـان سيكون أفضل
بـألف مـرّة من هـذا الـواقع المرير , الـذي جعل العرب يذهبون فرادىً
و جماعات إلى كامب ديفيد و أوسلو و ودادي عربة لـيـوّقـعوا اتفاقيات
( علشان خاطر كارتر و خاطر كلينتون و خاطر اولبرايت ) ويـعـودوا لـيـجـدوا
مـسـتـوطـنـات تــُـبـنـى عـلـى الأرض الـتـي اتـفـقـوا البارحة مع
الإسرائيليين على إعادتها لهم . تـلـك الإتفاقيات الـتـي لا تـنـفـع حـتـى
( لـنـقـعـهـا و شـرب مـائـها ) . لأنّ الإسرائيليون عينهم على الأرض
و الماء و الهواء . و عـقـيـدتـهـم راسـخـة , حـتــّى و هـم يـوقــّـعـون
على تلك النصوص الوهميّة , بـأنـهـم , كـمـا قـال بـيـغـن نـفـسـه :
( عن أيّ أرض محـتـلــّة يتحدثون ؟ إنها أرضنا المحرّرة ) .
و لـو عـدت عـزيزي القارئ لـ ( سـِفـر الـتـوبـة عند كـارتـر ــ سلام
لا فصل عنصري ) لـوجـدت الكثير الكثير من عـبـارات : ( لـكـنّ بيغن
لـم يـلـتـزم , لـو أنّ اسـرائـيـل إلـتـزمـت بما اتفقنا عليه , كـان يجب
أن نـأخـذ عليهم كلاماً مكتوبـاً لا شفويّ فقط , لـو , لـكـنّ , لـو )
و هـذا يــُـذكــّـرنـا أيـضـاً بـوديـعـة رابـيـن الـذي تـعـهــّد للسوريين
بـإعـادة الجولان كـامـلاً , فـقـتـلـه الصهاينة , و رفضوا و سيرفضوا
دائماً إخراج عهدته إلى العـلـن , فـقـد تــُـلـيـت عـلـيـه صـلاة اللعنات
( بـولـسـا ديـنـورا ) الـتـي أبـاحـت دمـه لأنـه خـرج عـن عقيدة الصهيونية
( كما يـرون ) و أراد أن يعيد الأرض لأصحابها : ( بـا سـتـدعـاء مـلائـكـة
الـدمـار لـتــُنـزل الـمـوت بـالـمـلـعـون اسـحـق بـن فـلانـة , و إلقاء
كـل لـعـنـات الـتـوراة عـلـى روحـه ) .
و فـي مـكـان ٍ غير بعيد , و فـي زمـان أبـعـد , كـان خـالـد الإسلامبولي
يـتـلـو صـلاةً مختلفة الضجيج , و يـنـزل لـعـنـاتـه عـلـى صـاحـب
كـامب ديفيد , الذي ذهـب و تـرك مـعـاهـدتـه تــُـكــتــّـف مـصـر
بالقدمين و الذراعين إلى أجـل غير مسمّى , و الجدير بذكره هـنـا
و الغريب في اّن , أنّ السادات كـان قـد طـلـب مـن الأمريكيين توفير
حماية شخصيّة لـه في مصر , و قـد فعلوا , مــا حـدا بصحيفة
فرنسيّة لأن تقول بـعـد مقـتله أنّ أصابع السي اّي إي موجودة
في هذا الإغتيال , لأنّ الأمريكيين كانوا من يشرف بالفعل و بشكل
مباشر على الأمن الشخصي لـرجـلـهـم المخلص في القاهرة .
جــو غـانـم